بسم الله الرحمن الرحيم
«إن اللهَ لَا يَسْتَحي أن يَضَربَ مَثلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا»
هل الله يضرب المثل؟!
الفقرة الأولى من الآية تقول:
«إن اللهَ لَا يَسْتَحي أن يَضَربَ مَثلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوقَهَا»؛ ذلك لأن المثال يجب أن ينسجم مع المقصود، بعبارة اُخرى، المثال وسيلة لتجسيد الحقيقة حين يقصد المتحدث بيان ضعف المدّعي وتحقيره، فإنّ بلاغة الحديث تستوجب انتخاب موجود ضعيف للتمثيل به، كيما يتضح ضعف أُولئك.
يُلاحظ في هذا المثال، أن الذباب وأمثاله أحسن وسيلة لتجسيد ضعف هؤلاء.
وهكذا في الآية من سورة العنكبوت، حين يريد القرآن أن يجسد ضعف المشركين في انتخابهم أولياء من دون الله، يشبههم بالعنكبوت التي تتخذ لنفسها بيتاً، وهو أضعف البيوت وأوهنها: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾.
فمن المؤكد أن القرآن لو ساقَ الأمثلة في هذه المجالات على الكواكب والسماوات لما أدّى الغرض في التصغير والتحقير، ولما كانت أمثلته متناسبة مع أصول الفصاحة والبلاغة، فكأن الله تعالى يريد بهذه الامثلة القول: بأنه لا مانع من التمثيل بالبعوضة أو غيرها لتجسيد الحقائق العقلية في ثياب حسّيّة وتقديمها للناس.
وأما المقصود من ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾
للمفسرين في هذه رأيان:
الأوّل: «فوقها» في الصغر؛ لأن المقام مقام بيان صغر المثال.
الثّاني: «فوقها» في الكبر.
أي: إن الله يضرب الأمثال بالصغير وبالكبير، حسب مقتضى الحال.
ولا يستعمل لتقريب وإيصال الفكرة بموجودات أكبر: كالكواكب والنجوم والمجرات فمن خلالها يجسد حقيقة ما يريد إظهاره من المعجزات، إذ أن الذبابة والعنكبوت مخلوقات صغيرة حقيرة لا يتناسب ضآلة حجمها من أن تذكر في القران الكريم، ألا يستحي الله ان يذكر مثل هذه المخلوقات في كتابه ؟!
فجاء الرد الالهي:
إن الله لا يستحي من ضرب المثل بالذباب والعنكبوت؛ لأنهما أكبر من البعوضة إذا كان فيها إظهار قدرته وإعجازه في مخلوقاته ورداً على الاستنكار والاستغراب من ان تكون المحقرات من الأشياء مضرباً للأمثال، إذ لطالما نظر الانسان الى البعوضة على أنها مخلوق تافه صغير بالكاد يُرى بالعين المجردة، ولكن الله يذكرها بدون استحياء، فالإنسان لا يهتم الا للأمور العظمية والمخلوقات الكبيرة مع العلم أن الكل عند الله سواء فما فرق الحوت عن البعوضة من ناحية التركيب الجسماني ان اختلفا في الحجم الا ان الخالق واحد فقد تكون صغائر الامور بما فيها من الآيات والعبر تحير العقول والالباب، فالبعد الزماني بين نزول الآية واكتشاف اعجاز الله في صنع البعوضة رفع الابهام عما أريد بهذه الآية من بيان حين اكتشف العلماء عجائب قدرته في هذه الحشرة الصغيرة حيث وجدوا أن للبعوضة مئة عين في رأسها، ولها ثلاثة قلوب، وباستطاعتها ضخ الدم الى الدماغ ثم تعكس الاتجاه لتضخ الدم الى الجسم، وهذا اعجاز بعينه اي انها لها القدرة على عكس اتجاه الدم خمس مرات.
2- تمتلك جهاز استشعار حراري لا تمتلكها الطائرات، إذ أنها تتعرف على رائحة عرق الانسان من بعد ٦٠ كم.
٣- تمتلك جهاز تحليل دم اذ ليس كل دم تستسيغه.
٤- تمتلك جهازاً للتخدير، فهي تخدر موضع اللسع حتى لا يشعر به الشخص.
٥- تمتلك مختبرا كاملا لتمييع الدم، إذ أن دم الانسان لزج لا تسطيع امتصاصه، فتقوم بتمييعه بإضافة مادة تفرزها ليتسنى لخرطومها الدقيق امتصاص الدم.
٦- لها ستة سكاكين تغرز أربعة في الجلد لتعمل مربعاً تنزل فيه السكين الخامس والسادس حتى يصل الى وعاء الدم، فتقوم بامتصاصه هذا بالنسبة للبعوضة.
أما تتمة الآية (فما فوقها) ففي عام ٢٠٠٢ أعلن وفاة سيدة في السابعة والخمسين من عمرها بعد اصابتها بعدوى فطرية غريبة في العضلات، وبعد إجراء الفحوصات والتحاليل وجدوا ان القاتل كان مخلوقا صغيرا فطريا يعيش فوق البعوضة بين حراشفها، فهذه السيدة حين قتلت البعوضة على منطقة اللسع، ادى الى دخول بعض هذه الحراشف الى الأوعية الدموية التي تحمل هذه الفطريات المسماة بمايت (فمافوقها) أدت لظهور هذا المرض .
فهذه الآية تدلنا الى ان جميع مخلوقات الله تعالى من اصغرها (فما فوقها) الى اكبرها هي اية دالة على استحقاق الله (عز وجل) للعبادة دون سواه فهذه الحشرة الصغيرة التافهة هي جند من جنود الله حيث زودت الإناث دون الذكور؛ لأن الذكور يمتصون رحيق الازهار، اما الاناث فقد زودت بأسلحة ومعدات وأجهزة استشعار عن بعد ومناظير ليلية لتحديد الهدف.
وانظروا إلى حكمة الله وقوته وجبروته وكثرة جنده، حيث يقول الله (عز وجل): «وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً» [الفتح: 7]، ويقول سبحانه: «وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ» [المدثر:31]، وكيف هذه الدابة الصغيرة التي يحتقرها الناس استطاعت أن تقهر أقوى جيش بدباباته وطائراته، ومعداته الحديثة الفتاكة، وهو جيش أمريكا عندما أرادت أن تحفر قناة في بنما وهي دولة تقع بين المحيط الأطلنطي والمحيط الهادي، فأرغمت هذه الدولة التي لا حول لها ولا قوة بالخضوع والموافقة وبدأ الجيش في العمل، ولكن الله سبحانه وتعالى أمر هذه الدابة بالتحرك فتحركت جيوش من البعوض تهاجم أعتى جيش فأصابته بالأمراض وهزمته بقدرة الواحد الأحد، ومات عدد كبير من الجنود، وفر الباقون، وانسحب الجيش بمعداته وطائراته، ولم يستطع حفر القناة، إلا بعقد الاتفاقيات والمعاهدات مع صاحب البلد وحفرها أصحابها بأنفسهم .
عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ماعبدتك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنتك، وانما وجدتك اهل للعبادة فعبدتك».
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
١- تفسير الامثل.
٢- البقرة: ٢٦
3- العنكبوت: (٤١-٤٣).
٤- الحج: ٧٣.
٥- صيد الفوائد.
٦- المدثر: ٣١.
٧- صيد الفوائد.
٨- بحار الأنوار للمجلسي: ج٤١/ ص١٤.
|