• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شطيطة في الزمان.. صارت قدوة وعنوان .
                          • الكاتب : نرجس مهدي .

شطيطة في الزمان.. صارت قدوة وعنوان

   مغزل أنا قديم تعودت الدوران بيد سيدتي، إنها محدودبة الظهر، مسنة، تغزل صوفها الذي تجمعه من شويهاتها، لتعمل منها نسيجاً فتبيعه لتعتاش منه لقوت يومها الذي لا يتجاوز كسرة خبز وجرعات من ماء، تكتفي بها لتتقوى بها على عبادتها، وتناجي ربها بقلبها الكبير الذي فرغته من هموم الدنيا، وبالرغم من بيتها الطيني الصغير، إلا أنه روضة غناء يعمر به حب خالقها وحب أئمتها الأطهار (عليهم السلام)، وتسقي قلبها الطاهر بهذا الحب، فارتوت اشجار العشق، واخضرت حدائق الحب واليقين في فؤادها.

ها هي السيدة شطيطة، يلوكها التعب، ويلويها الألم لكبر سنها وتعب جسدها، ترى جفنيها المثقلين يكادان ينطبقان على بعضهما من شدة النحيب.
أسمعها تئن في سحر الليالي، تناجي ربها أن يطيل عمرها لترى إمام زمانها وتحظى برضاه، وهي تغفو كل يوم على هذا الأمل، لعله يتحقق في يوم من الأيام.
وككل صباح تبدأ عملها بنشاط وتأخذني بيدها، فأسمعها تتمتم بالتهليل والتكبير والاستغفار.
وهناك طرق باب قلبها قبل أسماعها أن وكيلا عن أهل القرية سيذهب الى المدينة، ويأخذ الحقوق الشرعية ورسائل الموالين ويوصلها إلى المدينة، وليعرف من إمام الزمان بعد شهادة الصادق (عليه السلام).
تهلل وجهها، لملمت دموعها، هرول قلبها قبل قدميها لتأخذ خمسها وترسله مع هذا الوكيل لتفرغ ذمتها، وليوصل أمنياتها وسلامها لإمامها.
توجهت السيدة شطيطة إلى وسط قريتها، وأخذتني معها لأنها لا تفارقني ولا أفارقها، واتجهت ورأت الناس قد تجمهرت وتحلقت حول الوكيل كل يسلمه مبلغاً ورسالة، فقالت للوكيل: بني، خذ هذا الكيس فيه درهم، إنه خمسي، وقطعة الصوف هذه هدية إلى سيدي ومولاي لعلني أحظى بأن تلمس يديه الكريمتين.
فنظر الوكيل نظرة استغراب وقال: درهم؟! والله إني استحي أن أعطي مولاي درهماً.
أطرقت برأسها وقالت: إن الله لا يستحي من الحق، وبلغ سلامي لمولاي وأوصل له هديتي لعله يتفضل عليّ بقبولها.
رجعت إلى الدار وكلها أمل، ومخاوف ساورت قلبها الواله، لكنها سرعان ما تبددت تلك المخاوف بأمنيات تراها بعين قلبها.
أيام والسيدة شطيطة تترقب عودة الوكيل، وأنا أدور بيديها المتعبتين واشفق عليها، وبينما نحن نغزل وإذا بالمنادي يرفع صوته: يا أهل نيشابور، رجع الوكيل هلمّوا وخذوا اجوبة رسائلكم، اضطرب قلبها خفق بقوة، وصلت بين الجموع، وهنا صاح الرجل بصوت يسمعه الجميع: أيتها السيدة الطيبة شطيطة اسمعي جواب مولانا موسى ابن جعفر (عليه السلام)،
لقد قبل درهمك أيتها المؤمنة وقال: «إن الله لا يسحي من الحق»(1).
وارجع جميع أموالكم ايها التجار لاختلاطها بالحرام، أما السيدة شطيطة فقد قبل هديتها بقبول حسن، وارسل لها مبلغاً من المال ليعينها على أمر دنياها، وابلغني أنك عندما تموتين سيأتي ليصلي على جنازتك، وأرسل اليك كفنا قد نسجته احدى بنات الإمام وقطنة من بستان السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)(2).
ما إن سمعت السيدة كلام الرجل حتى اضطرب قلبها المفعم بحب مولاها، ولكن فؤادها قد امتلأ دفئاً، فقد أخذت ما ارادت وتمنت، وظلت تنتظر وتترقب لترى روحها نور العيون، هذه السيدة المجهولة قدراً بين الناس، حبها لإمامها هو من رفع قدرها، وأوصلها إلى مبتغاها، وترقب الجميع يوم وفاتها لينالوا رؤية وجهه المبارك ببركة هذه السيدة الطيبة .
فهل تحبين يا اختي المؤمنة أن يصلك سلام من إمام زمانك؟
كوني كهذه السيدة الجليلة اتركي الدنيا الزائلة، وتمسكي بهم، ولا تستصغري القليل الطيب، فإمامك مطلع على شغاف فؤادك، ويقابل القليل بالكثير.
واحرصي على رضا مولاك، ففيه الخير الكثير .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  كتاب مدينة المعاجز للعلامة البحراني: ج2/ ص294/ في باب معاجز الإمام الكاظم (عليه السلام).
وكتاب (ثاقب المناقب) للشيخ الطوسي. 
(2) نفس المصدر.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=170110
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 07 / 01
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14