كثيرة هي القصص التي تعود الصغار على سماعها والاستمتاع بأحداثها، وكثيرة هن الأميرات اللواتي ارتسمن بأحداق الفتيات وهن يرسمن جمال القدود وروعة الفساتين، وفتى الأحلام.
ولكن ليست كل تلك القصص لها حقيقة في التأريخ، بل إن اكثرها نسجت من الخيال الواسع للكاتب، وهو يحاول أن يصف تلك الأحداث بطرق مشوقة ليشد القارئ وليعيش أحلاماً ويسافر بعيداً في عالم الخيال .
لكن شخصيتنا التي سنتحدث عنها، شخصية حقيقية وهي أميرة مصرية من سلالة الدولة الطولونية، واسمها أسماء بت خمارويه لقبها أبوها بـ(قطر الندى) لجمالها ورقتها، فقد فاقت جميلات عصرها رونقا وبهاء .
جدها هو والي مصر أحمد بن طولون الذي عُرف بالقوة والحزم، وبعد وفاته استلم ولده خمارويه مقاليد السلطة على مصر وبلاد الشام في عهد الحاكم العباسي المعتضد بالله.
لكن والدها خمارويه كان يعيش في ثراء فاحش، وبذخ وإسراف لا نظير لهما، وقد استأثر خراج مصر وبلاد الشام لنفسه، وكان يرسل القليل منه لبغداد لبلاط الدولة العباسية .
وكانت الدولة العباسية آنذاك في تهالك، والأمة كانت تعيش فقراً مدقعاً، والمجتمع يعاني من شظف العيش ومرارة الضرائب التي كسرت ظهور العامة من الناس .
وبعد أن وصلت الأخبار للحاكم العباسي من أمر خمارويه، قرر أن يجهز جيشاً كبيراً والهجوم على مصر والفتك به وأخذ الأموال والثروة .
لكن الجيش العباسي لم يكن بتلك القوة التي تمكن الحاكم العباسي المعتضد أن يواجه جيش ابن طولون القوي، وبعد أن تقابل الجيشان، كانت الغلبة لابن طولون وجيشه، ووقع الجيش العباسي بالأسر وحوصر المعتضد فاستسلم.
لكن خمارويه لم يكن ليرضى أن يكون الأمر هكذا، فأطلق سراح الاسرى، وأرجع الحاكم العباسي المعتضد بالله إلى بلاطه في بغداد معززاً مكرماً .
وهناك اتفق خمارويه مع الحاكم العباسي الستيني أن يزوجه ابنته الوحيدة والجميلة قطر الندى التي لا يتجاوز عمرها السابعة عشر ربيعا على ان يبقى خمارويه والياً على مصر وبلاد الشام ثلاثين سنة، وتم الاتفاق لحقن الدماء، فما كان من خمارويه إلا أنه بدأ بتجهير العروس ابنته بجهاز عرس أسطوري، لم يُر او يُسمع مثله في تاريخ المسلمين، فجهزت هوادج الجمال بصناديق الجواهر والذهب والنفائس، وأقيم لها أربعين يوما ليلة الحناء، وهي الليلة ألتي تسبق ليلة الزفاف، وكانت الافراح والزينة والحفل متصلاً لأربعين ليلة.
وبعدها هيئت القافلة للرحيل من مصر إلى بغداد، وفي كل منزل تنزل به الاميرة يكون هناك قصر ينتظرها بخدمه وإمائه للسهر على راحتها، والانتقال إلى منزل آخر في الطريق وهكذا إلى أن وصلت إلى بغداد .
كل هذا الإسراف والبذخ، وفي المقابل هناك شعب يتضور جوعاً، وأطفال تنام وتحلم بالخبز..!!. وهل هذه دولة المسلمين وأخلاق الإسلام؟
فهؤلاء الحكام قد أتعبوا أنفسهم من أجل ملذاتهم فقط، ولم يرعوا حرمة هذه الأموال التي هي بالحقيقة أموال المسلمين .
وصلت الأميرة أخيراً إلى بغداد وعاشت خمس سنين، ثم ماتت بعد أبيها في نفس العام حزناً وكمداً على فراقه، وهكذا انتهت قصة الأميرة ألتي أفلست خزينة دولة كاملة؛ بسبب عرسها .
|