• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : ولكم في الماء حياة .
                          • الكاتب : نعمت ابو زيد .

ولكم في الماء حياة

يقول الله تعالى في كتابه العزيز: «وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ»(1). 
يُعتبر الماء في التصوُّر القرآني أغلى ما في الحياة، بل هو أصل الحياة وقوامها ودوامها، واستمرارها واستقرارها، والآية الكريمة (المذكورة أعلاه) تعبيرٌ عن هذه الحقيقة، كما وتحدّثت عن ذلك عشرات الآيات القرآنية وعن هذه العلاقة المباشرة بين الماء والحياة، وأنّه أصلُ الخلق والإحياء، قال تعالى: «وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن ماءٍ فَمِنهُم مَن يَمشِي عَلى بَطنِهِ وَمِنهُم مَن يَمشِي عَلى رِجلَينِ وَمِنهُم مَن يَمشِي عَلى أَربَعٍ يَخلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَي‏ءٍ قَدِيرٌ»(2). 
وكلّ مظاهر الحياة على الأرض تدين بوجودها للماء: «وَمِن آياتِهِ يُرِيكُمُ البَرقَ خَوفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحيِي بِهِ الأَرضَ بَعدَ مَوتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِقَومٍ يَعقِلُونَ»(3). إضافة وظيفته الإحيائية فإنّ له وظيفتين أُخريين، الأولى عبادية دينية والثانية جمالية.
الوظيفة العبادية الدينية: فالماء شرطٌ أساسيٌّ لا بدّ منه للحصول على الطّهارة ومدخلٌ ضروريٌّ للعبادة الصحيحة، اذ لا يُمكن أداء العبادات بثوبٍ او عضوٍ أو مكانٍ غير طاهر: «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»(4). والطّهور هو الطاهر المطهّر كما ذكر المفسّرون.
وطهورية الماء ومطهريته لا ترفع النجاسات المادية المعروفة فحسب بل ترفع النجاسة المعنوية المتأتية كما يوجب الغسل او الوضوء، وإذا كان للماء بديل -في حال تعذُّر او تعسُّر الطهارة المعنوية- وهو التراب، فإنّه لا بديل له في الطهارة المادية، فإنّ جلّ النجاسات المادية المعروفة لا مجال لرفعها إلا بالماء، لذلك نستنتج: أنّ المسلم لا يُمكن أن يستغني عن الماء في قيامه بوظائفه الدينية.
الوظيفة الجمالية: وهذه الوظيفة لا تقتصر على دور الماء في أنه وسيلة للنظافة والتجمُّل مما هو حاجة انسانية في نفسه، وقد ورد ذلك في الكثير من الأحاديث النبوية وعن أهل البيت (عليهم السلام). كما ويسهم أيضاً في إضافة حالة من الروعة والجمال على الطبيعة: كالبحار والأنهار والينابيع وغيرها والتي تزيدها خضرةً وثمارا: «وَهُوَ الذِي أَنزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخرَجنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخرَجنا مِنهُ خَضِراً نُخرِجُ مِنهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَمِنَ النَّخلِ مِن طَلعِها قِنوانٌ دانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِن أَعنابٍ وَالزَّيتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشتَبِهاً وَغَيرَ مُتَشابِهٍ انظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَيَنعِهِ إِنَّ فِي ذلِكُم لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»(5). 
 وفي الحديث عن أبي الحسن (عليه السلام): «ثلاثة يجلون البصر: النظر إلى الخضرة، والنظر إلى الماء الجاري، والنظر إلى الوجه الحسن»(6). 
مشيراً الى المتعة التي يُضفيها الماء على النظر.
وما للماء من هذه الأهمية التي لم نذكر إلا جزءاً يسيراً منها، لا بدّ لنا أن نلتفت الى استخدامه بقدر، واسترشاد استهلاكه، وحُسن الإدارة للمحافظة على هذه النعمة الإلهية الكبرى، فقد قضت الحكمة الإلهية أن يكون إنزال الماء بقدر، أي بما يكفي لاستدامة الحياة وحفظ استقرارها بلا زيادةٍ مُفْسِدة ولا نقيصةٍ مجدبة، قال تعالى وهو يشير إلى هذا المبدأ التكويني: «وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ»(7). 
فالحمد لله على نعمه كلّها عدد قطرات الماء.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الأنبياء: 30.
(2) سورة النور: 45.
(3) سورة الروم: 24.
(4) سورة الفرقان: 48.
(5) سورة الأنعام: 99.
(6) وسائل الشيعة:5/340، الحديث3/ الباب27/ من أبواب أحكام المساكن.
(7) المؤمنون: 18.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169698
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13