• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : صَديق العمر .
                          • الكاتب : ايمان صاحب .

صَديق العمر

 ما يزال ذلكَ الشَارع العريض، يؤججُ أحزانّه كلمّا مشَى فيهِ بضع خطوات، ويذرفُ دموع عينيه عند وقوفه أمامَ عمود الحديد الذي يحمل صورة جَعفر.. صديقة الشهيد، وإن مضى على استشهاده سنتان، ألا وكأنها يومانِ...

وكيفَ لا يكون كذلكَ، وهو جَارهُ القَدِيم قَبلَ أن يكون صَديقه الحَميم، بل أكثرَ مِن هذا فهو مثل ظله الذي لاَ يُفارقهُ أَينما ذَهَب... طوالَ تلكَ الأعوام التي قَضَاهَا مَعه، كم هي جَميلة كَجَمالِ ملاَمح جعفر.. ذَات الوسَامةِ والهدوء، حتّى في حالاتِ التعب والغضب لا يعتريها العبوس، وبالأخص وقوفهُ عند باب صَديقه، كل صَباح ينتظر خروجهُ مِن البيت ليِوصلهُ إلى المدرسة على درَاجته الهوائية؛ لأَنّ طريق المدرسة كان بعيداً جداً.
وفي نهاية الدوام، يعودُ بهِ إلى البيت كما أتى به.. ثم يجلسان لمذاكرة واجباتهما اليومية، بعدَ أخذ قسطاً من الراحة، وفي تمام السَاعة السَادسة عَصراً يلعبانِ كرة القدم بالساحةِ المجاورة لبيتيهما، وهكذا كانت سائر أيام السنة، حتى تأتي العطلة الصَيفِية، حينها ينشغلان بالعملِ في مَحلِ أسواقِ أبي جَعفر للمواد الغذائية.
وفي يومٍ من الأيام حَصَلَ مَا لم يكن في الحسبان، حينما قرر جعفر الانظمام إلى الحشد المقدس، دفاعاً عن ترابِ الوطن ومُقَدساته، ولكن نزل القرار على قلبِ والديهِ كالصاعقة..! مع هذا لم تتم الموفقةُ عليه إلاَ بَعدَ جهدٍ كبير؛ لأنَّهُ كان الولد الوحيد لهم والابن البار الذي لم يفارقهم ابداً.
ولكن شَاءت الأقدار أن يأتي ذَلكَ اليوم الذي يتركهم فيهِ، ليذهب مع رفاقه إلى جبهة القَتال وسطَ دمُوع أمه على فراقه.. ودعاء أبيه الذي ظل واقفاً بالشارعِ وهوَ يحدقُ بولده خطوةً بخطوة إلى أن وصَلَ بيت صديقه القريب منهم..
 وبَعدَ كلام طَويل دَارَ بينهمَا وعنَاق، التقطَ كل منّهمَا صورَة للآخر لتكون ذكرى جَميلة بمناسبة اليوم الأول الذي يلتحق به بالحشد، ثم بعد هذا غادر جعفر المكان يشق طريقةُ بسيارة رفاقه البيضاء، تاركاً خلفهُ حنيناً واشتياق، ولكن لم تمضِ إلا أيام قليلة واذا بسيارة وقفت امام المنزل عليها جنازة فوقها صورة تزاحمت عليها الورود رغم الشريط الأسود المتدلي على جانبها، ولكن مع هذا، لم تخفِ شيئاً من تلك الملامح بل، هي ذات الصورة التي التقطها له ببدلتهِ العسكرية، والتي كتب عليها في جهازه (صَديق العمر).




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=169451
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 06 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13