عندما يصعد الشاعر الى منصته، يأخذه الزهو والألفة، ومن الطبيعي أن يوزع الابتسامات لجمهوره، وهذا الشاعر الشاب يرتدي ملابس عربية ظننته من أبناء التشابيه، ربما هو يستعد لأخذ دور تاريخي قبل ان يعتلي المنصة، مال إليّ وسألني: ألم تعرفني، انا المستهل عند قراءة الشعر، كان يقرأ في ديوان الهامشيات قصائد الكميت بن زيد الاسدي تذكرت حينها من يكون هذا الفتى انه المستهل بن الكميت، فعرفت مسألة مهمة ان الكميت (رحمه الله) كان اصم لا يسمع ولم يكن حسن الصوت ولا يجيد الانشاد، وكان ابنه هذا هو الذي ينشد عنه، وهو فصيح حسن الانشاد، لذلك ادهش القاعة بما يمتلك من حسن أداء، وحين نزل المنصة جاءني مبتسماً؛ لأنه ادرك اني عرفته فقلت له: رحم الله اباك كان هو خطيب اسد، وفقيه الشيعة، وحافظ القرآن، وثابت الجنان، وكان كاتباً حسن الخط، وكان نسّابة.
وكان (رحمه الله) اول من ناظر في التشيع، وكان رامياً لم يكن في العرب أرمى منه، وكان فارسا شجاعا سخيا ديّنا، وكان الفتى المستهل يصغي اليّ بفرح لما أقول ويبتسم راضيا كأنه يقول: زدني؟ فقلت: كان كثير الشعر هو اكثر شاعر وظف شعره في خدمة عقيدته، فكانت قصائده صوراً صادقة لتطور العقل العربي نحو الصياغة الفكرية.
سألني المستهل حينها: عمو، هل طبعتم لأبي شيئا بعد وفاته؟ قلت: والله يا بني الذي اعرفه ان الاصمعي جمع شعر ابيك وجمعه أيضاً ابن السكيت، ودرّسه مجموعة كبيرة من النقاد المتقدمين.
واما من المعاصرين فقد جمع شعر ابيك الكميت، وشرحه وحققه الدكتور محمد نبيل طريف، ويكفي الكميت فخراً انه عُرف بولائه لأهل البيت (عليهم السلام)، وكان (رحمه الله) لا يقبل العطايا إلا قمصان الأئمة، وما مسّ جسدهم الشريف بالتبرك، وقد نالته أدعية الائمة (عليهم السلام) ومباركتهم، فقال عنه السجاد (عليه السلام): «اللهم احييه سعيدا، وأمته شهيدا». التفتّ، فلم أرَه.
|