• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : العفو الصفح دواء للكآبة والأرق .
                          • الكاتب : محمد جعفر الكيشوان الموسوي .

العفو الصفح دواء للكآبة والأرق

الخلافات والإختلافات موجودة في كل مكان  وزمان وبإمكاننا تجاوزها لو إستعنا بالله العلي العظيم  وأحسنا التوكل عليه وأمسكنا بعنق الشيطان وأخرجناه من مجالسنا وقلنا له لامكان لك هنا أيها الرجيم، فنحن أخوة في الله، يرحم بعضنا بعضا ويغفر بعضنا لبعض ويتشرف بعضنا بخدمة بعض كأننا بنيان مرصوص. سألني أحد الصالحين يوما هل أنت درويش لا تزعل من أحد. قلت: أيها المحترم إن عداوتي للشيطان شغلتني عن الزعل  من إخواني. إليكم هذه القصة:
هنا في ستوكهولم:
  وقبل حوالي أكثر من عشرين عاما  كنت في اللجنة الثقافية في أحد المجمعات الأسلامية وقد أصدرتُ مع زوجتي نشرة شهرية منوعة. كنت أنا المخرج والكاتب ولا يوجد حينها من يكتب سطرا واحدا. كنت أكتب بغير إسمي دفعا للرياء والسمعة، كما كنت أدرّس القرآن الكريم وأقرأ دعاء كميل وبقية الأعمال والأوراد وخاصة في ليلة الجمعة. في إحدى الليالي المباركة إقترب مني شاب ـ لم أتعرف إليه سابقا ـ وطلب مني أن يقرأ الدعاء تلك الليلة وقال إنه قد نذر لله تعالى أن يقرأ الدعاء، فقلت تفضل أيها المحترم ولكن إيّاك والرياء. إنسحبت تدريجيا من غير أن يشعر ذلك الشاب لغرض فسح المجال أمام الطاقات الشابة. كان منظرا رائعا أن أجلس خلف ذلك الشاب المحترم  وهويقرا دعاء كميل كل ليلة جمعة، ولكن بعد فترة طويلة  وفي إحدى الليالي إشتقتُ أن أقرأ دعاء كميل وأناجي ربي تعالى كما كنت من قبل. قابلت الشاب عند باب المجمع وقلت له إني استاذنك لقراءة دعاء كميل هذه الليلة ففاجأني:"آسف لا استطيع ذلك فقد قال لي الشيخ الفلاني ان لا أسمح لغيري أن يقرأه". تبسمت وقلت:"يارجل أنا حينما إنسحبت تدريجيا لم آخذ رأي الشيخ بذلك". بقيت بعد تلك الحادثة مدة ثلاث سنوات اقدّم له المايكرفون  وكاس الماء وعلبة المناديل الورقية  وأتولى خدمته كما ينبغي  وأنحني وأقول له: تفضل مولانا وهو يقول لي: أحسنت أحسنت. لم أكن أعرف نواياه ولم أكن مهتما لمعرفتها وهل أنه كان فعلا يريد الدعاء أم يريد الشقاء، ولكني متأكد من نواياي أنا، ومهتم لمعرفتها وهذا هو الأهم. فلا أريد إلاّ التقرب إلى الله تعالى. صدر المجلس أو حيث إنتهى المجلس ليس مهما. المهم هو قبول الأعمال ونيل الطلبات. نخرج من البيت ونعد الخطوات إلى المساجد والمراكز التي نذهب إليها لأن في كل خطوة حسنة والله يضاعف لمن يشاءالله واسع عليم. نقرأ في دعاء التوسل في ليلة الأربعاء:"ياوجيها عند الله إشفع لنا عند الله". ماقيمة أن نكون وجهاء عند بني البشر ومغضوب علينا  عند الله تعالى. يخشع المتقون لهذه العبارة، أمّا الذين قد ملأ حب الدنيا قلوبهم فترى أعينهم تفيض من الدمع على المناصب والمقاعد وإن كانت بلا قوائم أحيانا كثيرة. نحن هنا لبناء علاقات متينة مع خالق هذا الكون ومبتدعه ومن له الأمر من قبل ومن بعد، ولهذا نتحمل الأذى ونصبر عليه وإن صدر من أقرب المقربين. سوف لن يكون للشيطان  موطأ قدم عندنا فلن نسقبله بالورود والرياحين كما يفعل المعجبون به اللاهثون وراء حطام هذه الدنيا الدنية.
قلت لأحد الإخوان.. إياك أن تكون سببا في إقصاء أو تهميش أحد. العجب العجب من بعض المحترمين حينما يسمون التواضع دروشة والإيمان بساطة والدعاء ضعف. أيها الأخوة أن تباعدنا عن بعضنا فيه سرور عدو الله الشيطان الرجيم. المؤمن يغفر ويعفو ويصفح ولا يتحامل على أخيه أو يكرهه أو يحقد عليه. عداوتنا يجب أن تكون للشيطان وأهله. إننا أيها الأخوة في وضع لا نحسد عليه بما كسبت أيدي الناس. إنه لشعور رائع جدا أن تدعو بالتوفيق والهداية والتسديد لمن إختلفت معه. شكى لي بعض الأخوان من الأرق فقلت له أدعو بالتوفيق والهداية لمن إختلفتَ معه قبل أن تنام ففعلَ وسعدَ بذلك فواظبَ عليه. أيها السادة إن المؤمن يتمسك بأذيال أخيه المؤمن ويرجوه ويلتمسه الدعاء لأنه قريب من الله  والمتلون الزائف والباحث عن مقعد شاغر قد يشغله يوما، يتمسك بأذيال أصحاب الكنى والألقاب ويطلب منهم بعض الجاه والمكانة الزائلة يوما حتما. إن التقرب إلى الله تعالى يكون حينما نمد جسور التواصل مع المنكسرة قلوبهم، عيادة المرضى والسعي في قضاء حوائج المحتاجين وإطعام المساكين ومد يد العون للفقراء الذين لايستطيعون ضربا في الأرض.
 
 قصة أخرى من الماضي:
في إحدى جلسات محفل القرآن الكريم في شهر رمضان، أشار إليّ بعض الذين غعتادوا حضور المحفل المبارك أن أخرج إليه خارج القاعة فلّما خرجت إليه أمسكني بشدة من يدي وقال لي بالنص:"إسمع لو صححتَ لي مرّة أخرى قراءة الآيات أمام الناس فسوف ـ أشبعك بوكسات ـ وأوشك أن يصفعني ولكن مرور بعض الأخوة حال دون ذلك. سألني ذلك الأخ الذي مرّ بنا والذي إستبطأني عن المحفل: ماذا يريد هذا ان يفعل فقلت له على فوري: لاشيء إطلاقا، إنه يمزح وإبتسمت لهما وواصلت المحفل. بعد الإنتهاء من محفل القرآن الكريم، جاءني ذلك الرجل وبيده أجلكم الله حذاء وهو يقول لي:"أضرب به لساني وسامحني". قلت: معاذ الله فإنك لم تقل شيئا يزعجني وقد أوصاني جدي رسول الله أن أحملك على سبعين محمل على الأقل. يعز عليّ خسارتك لا أريد أن أخاصمك لأني بدل ذلك قد خاصمت الشيطان فهو ليس وليي وإنما وليي الله الذي يتولى الصالحين. لاندعي المثالية ولكن نسعى إليها فهذه هي سماحة ديننا أيها السادة. لست واعظا لأحد وإنما أعظ نفسي التي هي أولى بالوعظ من غيرها. الكتابة هنا ليست المقياس فقد أبدو للبعض جميلا ولكن فعلي قبيح وعملي سيء. لنبدأ أيها السادة فليس لدينا المزيد من الوقت. أجل لنبدأ من هذه العشية ندعو لمن إختلفنا معهم بالهداية والتوفيق ثم لا بأس أن نراجع أنفسنا كذلك فلسنا من المعصومين وكلّنا خطّاء. ماأجمل أن نتحمل الخطأ وننسبه إلينا وإن لم نفعله وبذلك تلين القلوب التي تكون بعضها كالحجارة أو اشد قسوة.
في حرم الإمام الرضا عليه السلام:
كنت بصحبة أحد العلماء الأجلّاء وقد توجهنا إلى زيارة أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام. في الحرم المطهر إقترب ذلك العالم الجليل من أحد المعارف وحاول أن يسلّم عليه ولكن ذلك الرجل قد وجه سيلا من الكلمات الجارحة والقاسية جدا لذلك العالم حتى إتهمه بالنفاق والغش. لم تفارق الأبتسامة الرائعة وجه ذلك العالم الفاضل وقال لذلك الرجل الغاضب عليه: سأدعو لك عند ضريح الإمام الرضا عليه السلام بأن يفرّج الله همّك ويكشف غمك ويتقبل منك الزيارة ثم ودعه قائلا: نسألكم الدعاء. مشينا عدة خطوات فقلت لذلك الشيخ: لم ينصفك هذا الرجل وقبل أن أكمل حديثي قاطعني قائلا: ياسيد كيف تذكر الرجل بسوء وهو غائب عنّا فنحن لم نسمعه ماأسمعنا في حضوره فكيف بالحال وهو غائب عنّا. إستغفر ربك ياسيد وإذهب إليه وأطلب منه أن يبرأ ذمتك قبل أن ندخل الحرم المطهر وأنا في إنتظارك في هذا الرواق. قلت سمعا وطاعة جناب الشيخ. ذهبت مسرعا إلى ذلك الرجل لأدركه في نفس المكان قبل أن يغادره وعندها يكون أمر زيارتي مشكلا حقا. حمدت الله تعالى أن وجدته هناك لم يغادر مكانه بعد. قصصت عليه ماجرى من حديث بيني وبين الشيخ. بعد أن انتهيت من كلامي صفع وجهه صفعة سمعها من كان قريبا منّا وأخذ يبكي بكاءا شديدا وهو يقول: إذن كيف سيكون حالي أنا الذي تفوهت بذلك الكلام الجارج وأسمعت ذلك العالم قبيح كلامي. خذني إليه أرجوك فإني أريد الإعتذار إليه. أقبل نحو الشيخ محاولا تقبيل يديه ويلتمسه الصفح والعفو فقال له الشيخ: لا عليك ياأخي فأنا قد صفحت عنك قبل أن تعتذر إليّ ثم توجه إليّ وقال: ياسيد إن العفو والصفح خيرٌ من إنتظار تقديم العذر ثم أن قبول العذر خير من التحامل والشحناء. أخذت الدرس والموعظة وذهبت إلى الضريح الطاهر ورفعت يديّ: إلهي يامن أمرتنا بالصفح إصفح عني وقبل أن أنتهي من الدعاء وإذا بالشيخ يهمس في أذني: أطلب الصفح كذلك لمن اسمعوك يوما كلاما نابيا فنحن هنا ياسيد نروّض أنفسنا بالتقوى. أدعو ياسيد لمن إختلفت معهم من إخوانك المؤمنين كي لا يكون للشيطان مكانا بينكم. إن التقارب بين الأخوة وقد صفح بعضهم عن بعض يكون بمثابة بناء أسوار عالية وحواجز فولاذية تحول دون توغل الشيطان إلى داخل الصف الواحد كما أن التباعد بين الأخوة والجفاء وعدم التواصل يهدم تلك الأسوار ويحطم تلك الحواجز ويكون الأمر بمثابة توجيه دعوة لحضور الشيطان الرجيم فيدخل مسرورا ليجد أن الوضع والظرف مهيأ  لوسوسته فليس عليه أن يفعل الكثير من أجل"لأغوينهم أجمعين". فالجماعة بإنتظاره أصلا وحتى أدواته التي جلبها معه يلقيها جانبا فهو ليس محتاجا لها وإنما يكفي أن يشير"بظفره الصغير" بدل السلاسل المختلفة السمك لسحب من أراد سحبه.
حديث  رسول الله(ص):
روي عن رسول الله (ص) أنه قال:"أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم، كان إذا خرج من بيته قال: اللهّم إني قد تصدّقتُ بعرضي على الناس". 
والمقصود بـ "تصدّقتُ بعرضي"أي أني لا أطلب مظلمة يوم القيامة ممن إغتابني ولا اخاصمه. فالعفو أفضل وقد ورد أنه:
"إذا جثت الامم بين يدي الله عزوجل يوم القيامة نودوا،ليقم من كان له أجر على الله، فلا يقوم إلاّ من عفا عن مظلمته في الدنيا، وقد قال الله تعالى:(( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)) ، فقال رسول الله (ص): ياجبرئيل ماهذا العفو؟ فقال: إن الله يأمرك أن تعفو عمّن ظلمك وتصل من قطعك وتعطي من حرمك.
لقد إلتقينا هنا في الأنترنت أو في المراكز الإسلامية أو في الحسينيات وغيرها، إلتقينا على المحبة وإذا لا قدَّرَ الله تعالى أن نفترق يوما فإننا سوف نفترق على المحبة كذلك.
الدعاء للإخوان بدل الدعاء عليهم يشفي الصدور ويذهب غيض القلوب ويبعد الشيطان ووسوسته ويذهب الهم ويزيل الغم فيعود الذي كان بيننا وبينه شيء من الشحناء كأنه ولي حميم. 
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وأسأله أن يتوب علينا أجمعين.
وآخر دعوانا إن الحمد لله ربّ العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=16738
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 30
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15