• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : قراءة في أبعاد نتائج معركة بدر .
                          • الكاتب : اسعد عبدالله عبدعلي .

قراءة في أبعاد نتائج معركة بدر

كان هدف قريش من معركة بدر هو القضاء على الدين الجديد, وبعث رسائل لكل القبائل مفادها أن السيادة لقريش على المنطقة, وبحسب الحسابات العسكرية كانت المعركة محسومة للقريشيين من حيث العدد والعدة, لذا لم تكن معركة بدر في العام الثاني للهجرة معركة عادية, بل أحدثت تحولاً كبيراً في موازين القوى في الجزيرة العربية, فتأثيراتها لم تقتصر على الجانب العسكري, بل شملت الجوانب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للترابط الكبير, وبسبب طبيعة النصر على مشركي قريش, وما كانوا يمثلونه من ثقل اجتماعي وسياسي واقتصادي, والأهمية الروحية للكعبة في قلوب مجتمعات المنطقة على اختلاف دياناتهم, فكان الإطاحة بجيش مكة إعلاناً بسطوع فجر جديد.
هي معركة الحق ضد الباطل, وكان يجب القيام بها؛ لأن ما وقع على المسلمين من ظلم كان فادحاً, من تهجير من بيوتهم ومصادرة أموالهم وملاحقتهم بالدسائس والمكر, ما بين كفار قريش وجيران المدينة المنورة.
 القرار السياسي المحدد بأهمية المعركة, كان خافياً على أغلبية الجمهور؛ لأنها لا تعي مقدار المكاسب اللاحقة, التي ستتحقق من هذه المعركة, وما حصل لاحقاً أظهر حكمة القيادة السياسية للمسلمين, مع أن بعض رجال قريش المسلمين كانوا يكرهون محاربة كفار قريش، وأشاروا على الرسول بالحلول السلمية، وقال أحدهم بعد أن استشارهم الرسول: (قريش ما ذلت منذ عزت) كنوع من تثبيط العزيمة, لكن الرسول الأعظم أعرض عنهم وعن آرائهم.
نحاول هنا فهم تأثيرات النصر في معركة بدر, إلى أي مدى وصل تأثيرها, وماذا تحقق من تغييرات في الجزيرة العربية, بعد معركة بدر:
أولاً: تأثير الهزيمة على مشركي قريش:
 كان شيوخ قريش يرون أنفسهم أسياد العرب, مرتكزين على البعد الروحي للكعبة المشرفة, وعلى أهمية أدوارهم الاقتصادية في المنطقة, ومن حولهم مجرد بادية وقبائل فقط هم الحضارة المتطورة, مدينة وجيش ونظام وعلاقات خارجية, وأحلاف وعهود  مع المحيط, ويمكن اعتبار هزيمة إبرهة الحبشي, كانت كفيلة برفع أسهم سادة قريش في كل المنطقة.
لذا كانت الهزيمة في بدر شديدة التأثير على نفسية أهل مكة, فكبرياؤهم تم إذلاله, وشخصيتهم السياسية والعسكرية اهتزت في أعين مجتمعات الجزيرة, باعتبار هزيمتهم أمام جيش أقل منهم عدداً وعدة, هزيمة نظام حكم قوي أمام دولة فتية, فكانت مشاعر الهزيمة والإحباط تسيطر عليهم, ودافع الانتقام يكبر في عقولهم, وعندما وصل خبر الهزيمة لمكة أصاب مجتمعها الذهول والحيرة, بل إنهم نعتوا ناقلي الخبر بالجنون, باعتبار أن ما ينقلونه مستحيل الحصول, ونشير هنا إلى أحد أهم نتائج معركة بدر على مكة, هو خسائرها التجارية, بعد أن أصبح طريق تجارتهم تحت التهديد, إضافة لخسارة أسواق عديدة, لانضمام العديد من القبائل للدين الإسلامي.
لذلك كانت ترى الحرب من جديد مسألة حياة أو موت, فمعركة بدر حدد مسارات القصة.
ثانياً: تأثيرات معركة بدر على اليهود:
 أحد المكونات المهمة في الجزيرة العربية في تلك الفترة, والتي كانت تسكن حول المدينة المنورة, بحسب روايات التبشير عند اليهود, والتي صرحت أن آخر الأنبياء سيكون مكانه في تلك الجغرافيا, وكان اليهود اقتصادياً من أكبر قوى الجزيرة, ولهم ارتباط اقتصادي وثيق بمشركي قريش, إضافة لسخط قادتها الدينيين على المسلمين, حيث أنهم أصيبوا بانتكاسة كبيرة عند ظهور النبي الخاتم؛ لأنه عربي وليس منهم, فناصبوه العداء, وسعوا إلى إفشال الدعوة الإسلامية, حسداً وبغضاً, فكانت معركة بدر هزيمة كبيرة لليهود.
 بعد معركة بدر، أصبح يتحتم عليها الإسراع للإجهاز على الدين الإسلامي, حيث كانوا يتوقعون أن الحرب ستنهي المسلمين, بحسابات عسكرية من حيث العدد والعدة, بعد معركة بدر كانت خسارتهم السياسية والاقتصادية كبيرة؛ لأن الانتصار الإسلامي كان ضد حلفائهم المشركين, لذا كان الأهم عند اليهود هو مساعدة أي جهد يكون موجهاً ضد المسلمين, فرسمت معركة بدر طبيعة السياسية اليهودية, وهو أسلوب المكر والخداع والمؤامرات, حتى الوصول لهدفهم في إسقاط المسلمين.
ثالثاً: تأثير معركة على مجتمعات الجزيرة العربية:
 يمكن الإشارة أولاً إلى أن نصر المسلمين في معركة بدر, أحدث شرخاً كبيراً بين القبائل العربية والتجمعات السكانية في الجزيرة العربية, حيث انقسم هؤلاء ما بين مؤيد لمشركي قريش أو للمسلمين, فبعض القبائل مرتبطة اقتصادياً مع قريش, مما أوجب عليها أن تتخذ موقف متشدد لحماية مصالحها الاقتصادية, فتحولت تماماً لجانب مشركي قريش, أما قبائل أخرى فلها روابط مع قبائل المدينة المنورة, فكانت إلى جانب المسلمين, أي أن المحرك لبعض الكيانات المجتمعية في الجزيرة العربية كان العامل الاقتصادي.
هناك قبائل دخلت في الدين الإسلامي مباشرة بعد الانتصار في بدر؛ لأنها أحست بالعدل الذي ينشده الرسول الخاتم, وكانت تعيش تحت الظلم لعقود, فكان الإسلام فرصة للتحقيق العدل الإنساني, وهنالك قبائل أخرى, كان العامل السياسي مهم عندها, فعندما تحقق النصر فهم قادتها بأن تغييراً سياسياً كبيراً سيحدث, عندها أسرعت هذه القبائل بإرسال الوفود المهنئة للمسلمين, بعد النصر في معركة بدر, وهو بمثابة اعتراف بولادة قوة سياسية جديدة.
رابعاً: تأثير معركة بدر على منافقي المدينة المنورة:
 كان هنالك خط خفي داخل المدينة يعد العدة لما بعد معركة بدر, حيث كان يتصور أن الهزيمة حتمية الوقوع بالمسلمين, فكان ينسق بشكل سري مع اليهود ومع قيادات قريش, فكان دور هؤلاء قبل المعركة خطيراً في تثبيط العزيمة, وتهويل جيش العدو, ونشر الإشاعات, وبعضهم التحق بجيش المسلمين؛ كي يكون عيناً للآخرين من داخل الجيش, وهؤلاء فقط حضروا، ولم يكن لهم أي دور في المعركة, وكان هدفهم إثبات هويتهم, بعد الشكوك الكبيرة التي تحوم حولهم, إضافة لأهمية تواجدهم باعتبار أن الهزيمة ستقع, وهنالك دور مرسوم لهم بعناية, لجني مكاسب انتصار قريش.
لكن المفاجأة كانت كبيرة لهم, وخارج الحسابات, فقط هم حققوا مكسب تحسين صورتهم أمام مجتمع المدينة المنورة, باعتبارهم جزءاً من الجيش المنتصر.
 جزء من المنافقين المدينة, تخلف عن المشاركة بمعركة بدر بأعذار واهية, وكان ينتظر أن تصح بشارة اليهود لهم, بأن جيش المسلمين سيهزم شر هزيمة, وعمل وهو داخل المدينة على نشر الإشاعات, والإشارة لبشارة اليهود, فكان الهدف بث الرعب في المدينة, لتكون متهيئة لحصول انقلاب سياسي, خصوصاً أن رجال قريش واليهود داخل المدينة ينتظرون الظروف المناسبة للانقضاض على السلطة.
كانت تكبيرات النصر انتكاسة كبرى للمنافقين, فاستبد بهم الخوف والحقد؛ لأنهم انكشفوا أمام المسلمين, فالانقلاب تأجل إلى إشعار آخر.
أي أن معركة بدر كشفت جزءاً من المنافقين, وهم من تخلفوا ونشروا الإشاعات, أما الجزء الآخر فقد اندمج بالنصر الذي تحقق؛ لأنه شارك شكلياً بالحرب، فكان هذا الجزء من المنافقين هو الأشد خطورة, وهو الذي سيسعى لاحقاً لتحقيق الانقلاب.
خامساً: مكاسب المسلمين:
 الانتصار في معركة بدر رفع أسهم المسلمين في المنطقة, وجعل للمسلمين هيبة كبيرة؛ بسبب عقلية العرب التي تهاب المنتصرين, فبعد أن كانوا مجرد كيان صغير, يحاول أن يستمر بالحياة, وسط بحر من الدسائس والخبث الذي يمارسه الكبار (قريش واليهود), فإذا به يسقط الصنم الأكبر (سادة قريش), حيث تناقل العرب كيف استطاع جيش صغير بسيط العدة, من الانتصار على جيش قريش, وهم أضعافهم في العدة والعدد, وتنبهت الجزيرة إلى أهمية تحسين علاقتها مع المسلمين, المنتصرين الجدد, فكانت الوفود تتسابق نحو المدينة المنورة لفهم من هم المسلمين؟ وماذا يريدون؟ فكان الانتصار العسكري بوابة الانفتاح السياسي أمام الآخرين.
المكسب الاقتصادي للمسلمين لا يمكن إنكاره, حيث انفتحت أسواق جديدة لتجارة المدينة المنورة, عبر القبائل المنضمة للإسلام, أو التي أعلنت أنها لن تحارب المسلمين, فكان مكسباً كبيراً.
الختام:
 معركة بدر تظهر لنا كيف كان القرار النبوي ناجحاً ومدروساً بعناية فائقة, من حيث التوقيت وشكل الحرب, وعبر بيان تأثيرات المعركة على الفئات المؤثرة في الجزيرة العربية, ومعركة بدر تعتبر درساً كبيراً في السياسة يجب أن تدرس, فتكون ملهمة لنا في واقعنا الحالي.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=167118
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12