• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : لقاء مع القنفذ .
                          • الكاتب : علي حسين الخباز .

لقاء مع القنفذ

  من؟ من هناك؟ من جاء إليّ في عتمتي في هذه الساعة المتأخرة من الزمان؟ من أنتم؟ يبدو أنكم أكثر من واحد، من انتم؟ أي ضمير هذا الذي يطرق أبواب الموتى؟ أجمل شيء في حياتي انه ما لي وللضمائر من نصيب، من اصحاب الوجدان، يبدو أنكم أخطأتم في العنوان، هذه الأشياء
لا تمر عندي، لا شغل لها معي، وما ذكركم بي الآن؟ ما الذي تريدونه مني؟ بأي لغة تحدثوني أنتم؟ لا أفهم هذه اللغة، من انتم؟ 
أما زلت الى الان تذكريني أيتها الباب، أبعد كل تلك القرون جئتِ لتقتصي مني؟ أنت أيها المسمار على ما يبدو نصيبي الأعوج؛ لأني لم أحسب لك حسابًا، ولم أعرف انك موجود، اشياء كثيرة تغمرني، وكأن الأرض تخرج فوق رأسي اثقالها.
 هذا يعني انكم عرفتم من انا، اوه بالله عليكم كيف وجدتموني، ونحن في اقسى منازل العذاب، بعدما خلعت جلدي عني، وأكلت أظافري، حتى اني آلفت هذا الوبال، ليس سهلًا نيل الراحة لمن حرق باب بيت فاطمة الزهراء، انا لا استحق حتى الموت، هذا ليس ندما، لا انا لو اعدت الى الحياة سأفعلها ثانية؛ لأنه المصير، هل تعرفون ما معنى المصير؟ لكن ما يؤلمني أن الأموات تردهم حسنات أهاليهم، وانا تطلع علي كوة الشمس محملة باللعنات حتى تغيب، ولعنات تعسعس في ليلي الكئيب، لعنات، لعنات ليل نهار، لعنات توقظ نومي، ولعنات تنيم يقظتي، لعنات لا حصر لها، والمشكلة انها لعنات من كل جيل، الاجيال تتجدد بلعنتي، ولهذا أسألكم من انتم؟ وأتوقع انكم ايضًا لعنات لكن من شكل آخر. 
لو كنتم تعرفونني جيدا ما جئتم، لو تفهمون القضية لما احتجتم الى مثل هذا اللقاء،  يمكنني أن اسأل: ما نفع ما تفعلون؟
هذا يعني انا التاريخ الذي جئتم لتقرؤوه، لا تقدرون عليه، وستفشلون، الشر موجود بينكم، فالأمور عندكم قابلة للتزوير كل يحمل بين ابطيه جريرته، زوّروا لكم كل مشهد، وتجاهلوا كل همسة قالت حكمتها ومضت. 
ما زالت خدعة الوجاهة تغويكم، اسماء كبيرة تلك التي اجتمعت لحرق دار فاطمة، أسماء كبيرة، وكل اسم فيهم حوت يبلغ قمرًا، أكيد ستفشلون.
(وإنْ)، لا تنظروا إليّ، انا لم أقلها، الحيتان التي اختبأت في جوف عتمة اطلقوا عليها القنفذ، صدقوني يا جماعة لا تنفع يقظة لا تقدر أن توقد فتيلا يضيء الحقيقة في مآقي الشهود، وحيتان الأمس نفسها حيتان اليوم، سيقولون انكم بكتابتكم هذه ستفرقون الامة.
(يضحك)، وكأن الامة ما اجتمعت إلا لحرق دار فاطمة؟ ومتى كانت الأمة موحدة؟ انصحكم ابتعدوا عن الحكاية. 
أنا ذبول توسد ظلّ الاحداث وصرت المحور، كلما يُذكر باب فاطمة وكسر ضلعها ليس لديكم سوى قنفذ، سيزعلون، سيغضبون سيحرقون ثانية كل بيت يأوي كل زهرة يانعة بالإيمان.
احببت أن أقول لكم: انا مثل الباب ضحية، اختاروني كبش فداء، سرت الى مثواي الهلاك، عبد مملوك الخطوة حتى ليس من حقه أن يسأل الى اين؟ 
قلناها قبل حين، في البحث عن مكامن كل ذريعة، يعني البحث عن كل بصيرة خادعها الضوء، سيغضب منكم اهل سقائف اليوم وليس تلك السقائف  التابعة لذلك البهتان، كل منهم لديه اليوم سقيفة.
 هل يقدر أحد منكم ان يغيّر الافق اذا غزاه الدخان، ليملأ فضاء الدهور؟ أي اسم تريد ان تعرفه عني؟ وما الذي بقي فيه؟ كل اسم يحمل صاحبه، فما نفع الاسم حين تغرس الموبقات شغبها فيه. 
اسمي قنفذ بن عمير، وورد في التواريخ خلف، عبد رخيص له اكثر من مالك، لا نبض يحتوي قلب ميت سواي، من يعرف فيكم شكل الموت؟ انا هو الموت بعينه، فعن اي رؤية جئتم تبحثون عنها؟ أنا لست بداية لأحد، ولست خاتمة لمن اكون، معتم الشخصية حد الذبول.
 اهل السير والتواريخ، اعطوا مساحة واسعة لجرمي؛ كي يختل فيه جرم غيري؛ خشية ان يتوسخ (ردن) الاسياد! صدقوني انا الضحية واستأهل، ها نحن عدنا من حيث بدأنا، مئات كنا حين هجمنا على باب الدار لماذا انا دون سواي؟
لست وحدي كنا ثلة اقتحمنا الدار، لم اكن وحدي، لا يصح ان اكون عبداً هنا وعبداً هناك، لا أحد يذكر غيري في حرق الباب، يتملكني الأمر حد الذبول، لا احد يذكر خالد بن الوليد، وعبد الرحمن بن عوف، واسيد بن حضير، واسماء كثيرة مدت بأرواحها خشب الجلد على باب فاطمة، شعلوا النار وانا الذي احترق بنارها في كل جيل، ألا لعنة الله عليّ وعلى من قادني الى معترك اللهيب، لا تنظروا اليّ بعين العطف هذا ليس ندما، بل هو تعبير عن سوء المصير، لهذا قررت ان احدثكم سأمنحكم ليل الحكاية من ويلي. 
لا يهم عبد من اكون؛ لأني لست العبد الوحيد، الى اليوم هم يعتمون الاحداث، غواية بمكائد الجاه، شياطين في ثوب ملائكة، انا رجل من الطلقاء، عبد فمال السادة هي التي تخون؟ وما الذي قبضته من حرق دار فاطمة، لا شيء لا درهم ولا دينار.
قلت لك عتموا على كل شيء، ربما سيأتي يوم يقولون فيه: ان علي بن ابي طالب هو من اضرم النار في بيوت الآمنين، كل شيء جاهز كل شيء يصير، ما دام القوم في فورة هلوسة ومجون جاه، لقد استفحلت الشجاعة في باب فاطمة نكاية بجبن قديم، استفحل فيهم يوم جبنوا في بدر وفروا في أُحد، وانهزموا وخذلوا الراية في خيبر، صدقوني الامر لا يحتاج الى تحقيق ومحاكمة وضياع وقت، ولا احد طلب مسامحة تفيض بمكر مشدوه.
عبد يأمره سيده بالوثوب، ولهذا مثل هذه الاسئلة لا تدرّ علمًا ولا عبرة ولا تنفع في درس ذليل، انا سمعته يقول:ـ لنرسل قنفذا اليه ويصفني باني رجل فظ غليظ جاف، هذه المواصفات تفلح عند كل نكوص، استأذنت عليًا اريد الاذن لأقابله فجاء الصوت:ـ هو لم يأذن لنا، نظرت الى حدقات القوم المنطفئة، طفح الغضب لم يؤذن لنا، وجاء الأمر:ـ اذهبوا اليه إن أذن لكم وإلا فادخلوا عليه بغير اذن.
حدثني على قدر فهمي، ان صاحبة الدار لن تسمح لنا ان ندخل بيتها بغير اذن، الخليفة يدعوك اليه، قال: يا سبحان الله لقد ادعى ما ليس له، واحد يبكي والاخر يستل سيف الارهاب يتمخض فيه. 
احيانا فكرة نقدم من غير مقابل، يقتلنا الحسد، وما نفع ندم لا يغيّر شيئا، من الغباء أن لا نعرف أن ما فعلناه، طعن في ظهر نبي وسعي لقتل امام هي ليست شجاعة منّا أن نقتحم بيت فاطمة وأن نضرب فاطمة. 
أنا كنت مرعوبًا حتى كدت ساعتها أن أشهد موتي، كان الخوف يقودني الى احلك المصير، لكننا ادركنا لغز الموضوع، صوت جاء يزحف من عتمة، صريحة بالنكوص: 
- لا تخافوا منه فهو موصى من قبل رسول الله أن لا يقتل احدا منكم، والله لو فعل لخان وصية النبي، اياك ان تردهم بحرب لا يبقى بعد ذلك دين، ما الذي فعلتموه بمسرحيتكم، وكل شيء تدركه العصور، تعرف الاثر والغايات، بعد هذا سيكتبون بكتب مزورة أن صاحب الدار التي احرقنا بابها اعطى البيعة بطيب خاطر، لِمَ حرقنا باب البيت اذن؟ 
 وتتغير في الكتب التي تقرؤون، الحطب حول الباب، الوجوه ملثمة تدور حول الدار، صاح بصوت: والله لتخرجن يا علي ولتبايعن وإلا أضرمت النار، قلنا له: في الدار فاطمة، قال: وإنْ.
 لا شيء يغيب عن رأسي المثقل بالحسرات، الخذلان يأكلني ولو اعيد المشهد سأفعلها ثانية فلا سبيل لديّ سواه.
لكن ما ارعبني شيء بقدر تلك الـ(وإنْ) فعرفت ان هؤلاء القوم لا كبير لديهم، دعني اكمل حديثي، دفعت الباب، هي تقاوم وهي تصرخ من ألم: يا ابتاه، يا رسول الله، رفع السيف وهو بغمده وضربها في غمد السيف:ـ يا ابتاه، يا رسول الله.
اغبياء نحن كنا نحاكم الناس على الردة، ونحن اول من ارتدّ عن الدين، حقا كنت ارتعب من الخوف كنت ارى بعيني ملائكة الله الصالحين تحيط البيت، تربت على كتفي الزهراء أن اصبري، كل شيء كان عند الزهراء يسمو.
 قلت لكم: لا املك الا هذا السبيل، انا مجرد عبد حتى واني اصغر من أن أحاكم في موضعكم، والا بيت يستأذن النبي (ص) قبل دخوله، وانا الغبي ادفعه لأدخله قسرا، واكسر ضلع سيدة البيت، لا ارادة لديّ سوى ما اؤمر، لا حرية لعبد مملوك، اشهد بالله فعلناها. 
من قال: إن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) سكت؟ والله حين رأيته نهض نهضت معه، ولولا اننا نعرف بأنه موصى لما كنا نستطيع أن نفعل ما فعلنا.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=165719
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13