(عجيب أمور غريب قضية) تلك المفردة التي اقترنت به, من خلال حواره في مسلسل (النسر وعيون المدينة)، في أواخر أعماله التلفزيونية.
الراحل الفنان جعفر السعدي أب لكل من عرفه ولازالت مفردة (باباتي) ترنّ في مسمع كل من فتح معه حوارا أو نقاشا, أبوة كبيرة يتعامل معها بطبعه الهادئ ورخامة صوته المحببة للجميع، واهتمامه باللغة العربية في حديثه حتى ذاع صيته في مسلسلات كثيرة في التلفزيون منها: (مكاني من الاعراب)، و(مدينة القواعد) التي ذاع صيتها في الوطن العربي وكانت هذه البرامج التمثيلية, بمثابة دروس أكاديمية وتعليمية للعديد من الدول العربية. تواضعه الشديد ومحبته لطلابه زرع (في نفوسنا جميعا) محبته وتقديرنا العالي لشخصه الكريم.
كنت ممن له الشرف ان اشترك معه في أكثر من عمل تلفزيوني, وكنت أشاهده عن كثب بروح الاكبار لهذه الهالة الكبيرة من المعرفة والخبرة وهو يؤدي دوره في مسلسل (ذئاب الليل) في جوّ لاهب من صيف العراق وفي مدينة جلولاء تحديدا، وهو بعمر كبير ويشكو من أمراض المفاصل.
وعادة تكون الاعمال التلفزيونية متعبة في الإعادة والحركة, وهذا الكبير لم يشكُ ولم يبدِ أي اعتراض، وكأنه ممثل مبتدئ, يتلقى ملاحظات المخرج الذي هو احد طلبته في يوم ما.
هذا السلوك وهذه الاخلاق العالية والانضباط الشديد بالحضور والحفظ للدور يعدّ علامة بارزة عند معظم روادنا المسرحيين، وكم كنا نبدي اعجابنا بهم، ونحن ننهل منهم ومن معين معارفهم زادنا المعرفي.
للذين لا يعرفون الكثير عن هذا المربي الفاضل نقول :
الراحل جعفر السعدي (24 ديسمبر 1921 – 13 أبريل 2005)، ممثل ومخرج عراقي من مواليد محافظة بغداد، مدينة الكاظمية.
دشن حياته الفنية كممثل بمسرحية (مظالم الاستعمار) عام (1936) في مسرح المدرسة الثانوية، في مدينة الكاظمية. التحق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد، وتخرج فيه عام (1945)، شكّل بعدها (الفرقة الشعبية للتمثيل) عام (1947)، التي تم حَظرُها بعد سنة واحدة لأسباب سياسية.
تم توظيفه مدرساً للتمثيل في دور المعلمين عام (1950)، وهو أول من شغل هذا المنصب في العراق، بعدها عمل مدرساً في معهد الفنون الجميلة إلى (1957).
أهم أعماله في السينما:
- عليا وعصام (1947).
- ليلى في العراق (1949)، تمثيل: عفيفة إسكندر، عبد الله العزاوي، إبراهيم جلال.
- سعيد أفندي (1957)، إخراج: كاميران حسني، تمثيل: يوسف العاني، فاطمة الربيعي، زينب، يعقوب الأمين.
- الجابي (1968)، تأليف وإخراج: جعفر علي، تمثيل خليل الرفاعي، أسعد عبد الرزاق، وجيه عبد الغني.
- المسألة الكبرى (1982)، تمثيل: اوليفر ريد، إخراج محمد شكري جميل.
- الملك غازي (1993).
• تم انتخابه سكرتيراً للفرقة الشعبية للتمثيل, ثم أصبح مدرساً في قسم التمثيل والاخراج في معهد الفنون الجميلة بعد ان نقل اليه ويبقى في المعهد لغاية عام (1957).
• تزوج جعفر السعدي عام (1956) من السيدة ماجدة عبدالقادر( ماجدة السعدي) هي فنانة معروفة ومتميزة بدأت رحلتها الفنية عام (1949).
• التحق جعفر السعدي بالبعثة العلمية الى الولايات المتحدة الامريكية للحصول على شهادة الماجستير في الاخراج المسرحي؛ وذلك من معهد الفنون في (شيكاغو)، ويعود الى العراق عام (1961) حاملاً شهادة الماجستير، ويعاد تعيينه في نفس العام مدرساً لمادة الاخراج والتمثيل في معهد الفنون الجميلة.
• أسس عام (1963) (جماعة سمير أميس للتمثيل), حيث ينتقل الى التدريس في اكاديمية الفنون الجميلة التابعة لوزارة المعارف في حينها، ويبقى فيها لحين الحاق هذه الأكاديمية بجامعة بغداد عام (1967).
• وبالنظر لمكانته وانجازاته الفنية والفكرية، فقد تم اختياره مع الفنان يوسف العاني كعضوين في لجنة اليونسكو عام (1969).
• وتثميناً لجهوده الفنية والابداعية، اختير رئيساً لقسم الفنون الجميلة في الأكاديمية، وكان هذا القسم يضمّ فروع المسرح والسينما والتلفزيون والاذاعة والتربية الفنية، وبقي في هذا المنصب لغاية عام (1981).
• تم انتخابه رئيساً لفرفة المسرح الشعبي لعدة دورات، وبقي في هذا المنصب لغاية عام (1993).
• بعد عطاء مستمر وابداع واضح لا ينضب لمدة اربعة عقود من الزمن والعمل المضني والجهد الكبير, احيل جعفر السعدي على التقاعد بتاريخ (1/7/1982).
• ويحصل في نفس العام على جائزة افضل ممثل في الدورة الثانية والعشرين لمهرجان (براغ) الدولي للأعمال الدرامية التلفزيونية، حيث شاركت في هذه الدورة (45) دولة من انحاء العالم، وذلك عن دوره في تمثيلية (الهجرة الى الداخل) تأليف: عبدالوهاب الدايني، واخراج الفنان المعروف المبدع: خليل شوقي .
• منحته فرقة المسرح الشعبي شهادة تقديرية لإسهامه الفعال في رفع شأنها وتثميناً لمسيرته الابداعية على مدى اربعين عاماً .
• وتواصلاً مع هذا العطاء والابداع فقد ترأس بعثة فنية في شهر كانون الاول (1992) من فرقة المسرح الشعبي الى الاردن، لعرض ثلاث مسرحيات هي (صراخ الصمت الاخرس)، تأليف: محي الدين زه نكنه، و(الانشودة)، تأليف: آربوزوف، و(ترنيمة الكرسي الهزاز) جميعها من اخراج الدكتور: عوني كرومي .
• وفي عام (1993) تم تتويجه كرائد من رواد حركة المسرح العربي في مهرجان (قرطاج) المسرحي باعتباره شخصية لامعة من شخصيات المسرح العراقي، وأحد المساهمين في تدعيم الحركة الفنية المسرحية في العراق والعالم العربي .
• أبرز اعماله المسرحية التي مثلها واخرجها ايضا: (هوراس)، و(الإنسان الطيب) للمخرج الراحل: عوني كرومي، و(نفوس) للمخرج الراحل: قاسم محمد، و(كشخة ونفخة)، و(رقصة الاقنعة)، و(الدب)، و(هاملت عربياً)، و(عرس الدم)، و(أشجار الطاعون)، و(يوليوس قيصر)، و(اوديب)، ومسرحية (عقدة حمار) للمخرج: فاضل خليل، و(صرخة الألم)، وآخر مسرحية مثلها كانت (حلم ابو حمدان) إعداد وإخراج: د. عبد المرسل الزيدي (1998م).
• أما في التلفزيون، فله العديد من الاعمال الدرامية ابرزها: (الذئب وعيون المدينة)، و(النسر وعيون المدينة)، و(الاماني الضالة)، و(احلى الكلام)، و(النعمان الاخير)، و(مشكلات فنجان)، و(ذئاب الليل) الجزء الثاني، وغيرها من الاعمال الدرامية ذات قيمة عالية .
• قبل افتتاح مؤتمر المثقفين العراقيين بلحظات في المسرح الوطني وهو يتأمل في وجوه الحاضرين وبكامل اناقته جالسا في القاعة، اصيب الفنان المسرحي الرائد جعفر السعدي بنوبة قلبية مفاجئة لم تمهله الا دقائق معدودة، لينتقل بعدها الى رحمة الله، وليلقي هذا الحادث الاليم بظلاله الحزينة على وقائع المؤتمر.
ولهذا رحل فناننا الكبير جعفر السعدي في المسرح, المكان الذي نذر روحه الكريمة اليه طيلة حياته, رحل عنا عام (2005م) ليترك وراءه ارثا فنيا تفتخر به كل الأجيال ومحبيه .
رحم الله الرائد المسرحي الكبير جعفر السعدي واسكنه فسيح جنانه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة:
تم الاستفادة من الناقد العراقي, أول موقع متخصص في النقد.
|