تمتلك القصيدة الحسينية مرتكزات شعورية أكبر من بقية الأجناس الشعرية، وتستطيع من خلال هذه المرتكزات أن تنفتح على العوالم المبدئية من أجل بناء المشاريع الثقافية لغايات آخروية نبتغي منها الأجر والثواب. ونعتقد أن مثل هذه الغاية تعدّ من أسمى الغايات الكتابية، وهي تؤدي بطبيعتها إلى أكثر من أسلوب، نجد مثلاً الجميع يؤمن بأن قضية الحسين هي عَبرَة وعِبرة، فالعَبرَة تحتاج إلى أساليب شعورية وجدانية، والعِبِرة تحتاج الى ثقافة احتوائية متنوعة ومتميزة، نجد هناك من يميل إلى الطرح الفكري(العِبِرة)، يستطيع الشعر أن يكون وعاءً فكرياً نشطاً يحتوي على أساسيات النشوء الطفِّي، ومرتكزات وأسباب بقائه، وفاعليات الطفن ويقدر على إدامة الواقعة الفكرية، ولهذا حاول الطغاة فرض الحصار على القصيدة الحسينية، فهي إذا لم تجد المتسع الكافي للعرض الفكري من الواقعة تنحصر بدائرة ضيــِّقة، أمَّا الآن فقد انفتح مجال العرض الفني أمام مساحات واسعة من الأثير، فهناك منابر حرة وفضائيات متنوعة وإذاعات وصحف كثيرة، إذن هناك فرجة عالمية تعرض موادنا على مختلف الشعوب والهويات، فأصبحنا بحاجة مُلحَّة لعرض الواقع الفكري.
ومثل هذه المساحة تترك المجال مفتوحاً لعرض جميع الألوان الشعرية، ولهذا الانفتاح الفكري أيضا متطلبات جديدة، فهو يحتاج الى المباشرة والوضوح ولم نعد بحاجة إلى التمويه والمواربة والتضمير، لابد أن ننظر إلى ما هو مفروض فعلا، وننظر إلى جدية الانفتاح الوزني، فهل استطاع الجديد أن يمتلك عوامل الجذب القديمة، فهناك إرث اكتسبناه من شعرائنا ومنشدينا عايشناه وكبرنا به.
المخاوف تكمن في الابتعاد عن الجوهر الحسيني، وإلا حتى المستورد الذي كان يافعا أيام الحصار أصبح يفقد جاذبيته، وابتعد عن قناعات الناس، ولم يبقَ له سوى الفئات العمرية التي ما انسجمت مع القديم؛ لأنها لم تعِش قدسيته.
التعايش مع الواقعة بشكل متأمّل واعٍ يكشف عن الواقع بحرفيته وبخصوصيته حين سألت الزهراء(عليها السلام) أباها(ص) عندما قبـَّل ذلك الحنان المحمدي على النحر الحسيني: أيذبح ولدي؟
تكرر السؤال اليوم من قبل الكثير من الأمهات، حتى صارت زيارة الأربعين مظاهرة عالمية ضد الظلم أين ما كان، فقط يبقى الحلم الآن والذي هو مطلب من مطالبنا أن نسعى لبعث كلمة الرسول(ص): «الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة)» لجوهرها الحقيقي الذي لا يجعلنا نتفرَّق عند المصابيح الفرعية، فما دام الجميع يصيح (يا حسين) لنعتمد على هذه الركيزة الأساسية، ولنجعل من تلك التفرعات التي قد تفرقنا إلى مصبّ حقيقي نحو المرتكز الأساسي الذي هو نصرة الحسين، ويعني بالتأكيد نصرة العراق.
|