• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : حكايتي وشيء من الذكريات  مع الرائد المسرحي الراحل الفنان (إبراهيم جلال)  .
                          • الكاتب : د . عزيز جبر الساعدي .

حكايتي وشيء من الذكريات  مع الرائد المسرحي الراحل الفنان (إبراهيم جلال) 

 ولد (إبراهيم جلال) في الأعظمية سنة(1924) ابنا لمحمود جلال المحامي، أحد أعيان بغداد ومن موظفيها الكبار، تقلّد العديد من المناصب الحكومية الهامة، وتنقل بين مختلف ألوية العراق (مدن العراق)، واستقر في فترة دراسة (إبراهيم جلال) للمرحلة الابتدائية، متصرفا للواء الحلة. 
الراحل إبراهيم جلال:
 قد يكون من أكثر الفنانين العراقيين الرواد جدلا في الوسط الفني؛ ذلك لمواقفه وقدرته في أن يكون معلما وفنانا في آن واحد، بروحه المرحة، ودعاباته مع طلبته, وحبه وإخلاصه في تدريس مادة الاخراج المسرحي لطلبة كلية الفنون الجميلة وقبلها في معهد الفنون الجميلة.
تخرج الراحل ابراهيم جلال في معهد الفنون الجميلة عام(1945) فرع التمثيل، ودخل المعترك الفني من أوسع أبوابه. مارس الإخراج أيضًا وحصل على زمالة دراسية إلى إيطاليا بمعهد السينما التجريبي الحكومي في (روما) إلا أن الزمالة الدراسية سرعان ما سحبت منه، فاضطر إلى الرجوع مدرسًا في معهد الفنون الجميلة.
 وفي سنة(1950) شغل منصب رئيس قسم التمثيل للمسرح في قسم الفنون المسرحية، وفي نفس السنة تعرف إلى الأستاذ الراحل (يوسف العاني) طالبًا متميزًا يقود جماعة (جبر الخواطر)، فنشأت بينهما من يومها علاقة صداقة، أثمرت عن تأسيس فرقة المسرح الحديث، وأصبح رئيسًا لفرقة المسرح الفني الحديث التي أسسها عام(1952م).
 عمل بالإخراج في منتصف الخمسينيات مساعدًا للإخراج في فيلم (مَن المسؤول؟) للمخرج عبد الجبار ولي، ثم في فيلم (سعيد أفندي) للمخرج كاميران حسني، ثم سافر إلى الولايات المتحدة ونال شهادتي (البكالوريوس في عام(1961)، والماجستير عام(1963م) من المعهد الفني التابع لجامعة (شيكاغو).
 بعد عودته لبغداد، واصل نشاطه الفني في مجالات المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة والتدريس. إبراهيم جلال متنوع المواهب، قدّم للسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة طوال أكثر من خمسين عامًا من النشاط في الوسط الفني تمثيلاً وإخراجًا وتدريسًا في معهد الفنون والأكاديمية وفرقته المسرحية وفرقة المسرح الوطني. 
 عام 1967(*) عمل أستاذًا في وزارة التربية للمملكة السعودية، وأسس معهد بغداد للمسرح التجريبي عام(1969)، وعمل مستشارًا للمسرح في وزارة الثقافة في (أبو ظبي).
كانت له علاقات صداقة واسعة بزملاء العمل والوسط الفني مسرحًا وسينما تمثيلاً وإخراجًا، ومن حسن حظي انني عملت معه في مسرحية (البيك والسائق) المعربة عن مسرحية برشت (بونتيلا وتابعه ماتي)، وأنا طالب في الصف الرابع فرع الاخراج.
 وقد كانت بحق دروسا عملية رائعة؛ لأننا نشاهد يوميا اثناء التمارين على هذه المسرحية التي اشترك فيها خيرة ممثلي الفرقة القومية للتمثيل آنذاك, وكنت أترقب أستاذي عن كثب، وهو يعطي الارشادات والملاحظات ليوسف العاني وهو النجم الكبير والبطولة له, بروح تختلف عن تلك الملاحظات للآخرين بشدة وقوة، وأحيانا يثيرهم ويسخط عليهم.
 في اليوم الثاني في قاعة الدرس، كنا نسأل الأستاذ الراحل (إبراهيم جلال), عن سرّ هذا التعامل بين النجوم وممن هم أقلّ بريقا منهم؟ أجابنا بروح الأستاذية الناضجة والمحبة: هذا درس لكم أحبتي في التعامل مع من يعمل معكم في المسرح مستقبلًا, ستجدون ان هنالك نفسيات وأمزجة مختلفة، منهم المحبّ لعمله, ومنهم من يتحدّى زميلًا له, وأحيانا بعضهم يحب ممثلة وهي لا تحبه, وهكذا أشكال متنوعة في علم النفس يسمونها دراسة الشخصية, كيف يتم تعاملكم معهم وهم جميعا يختلفون في المزاج والروحية. 
 وتحدث لنا عن سرّ تعامله مع النجم يوسف العاني (تجربته الخاصة)، وهو يقول أحيانا ستجدون ممثلًا معتزّا بنفسه كثيرا، ولا يرغب بسماع ملاحظة امام الجميع؛ لأنه نجم، وله القدرة أن يرمي النص بوجهك أمام كاست العمل؟ كيف يكون موقفك وأنت المخرج؟ أخيرا عليكم ان تكونوا حَملا وديعا مع بعضهم, وأسدا صارما مع بعضهم الآخر, وفوق كل هذا عليكم بدراسة علم النفس لتعرفوا سمات وخصائص الاشخاص في المسرح والحياة, كونوا بوتقة من المحبة تجمع الجميع, حينذاك ستنجحون في أعمالكم. كان درسا بليغا لنا ونحن طلبة, وتجربة أخرى ونحن ممثلون شباب معروفون في الوسط الفني.
 في مسرحية (المتنبي) بطولة الراحل سامي عبد الحميد, وعن كثب ايضا تأملنا عصبيته ونقاشه الحاد مع الكبير مصمم الديكور (الفنان كاظم حيدر) حول رؤيته التي رسمها حركيا وصوريا للعرض, واستمر النقاش لمدة ثلاثة أيام حتى اتفقوا على صيغة ترضي الطرفين.
كان يشحذ هممنا من خلال الفنان سامي عبد الحميد, ولم ينس ملاحظاته لنا ونحن أصبحنا زملاء له, كان شديدا في رسم رؤياه لكل عمل يخرجه, الممثل لديه العصب المحرك لكل عمل مسرحي.
 وظلت علاقتي به حميمية كباقي زملائي معه في التلفزيون والمسرح في فرقة المسرح الحديث الذي كان من المؤسسين لها مع الفنان يوسف العاني.
من أقوال الأستاذ والفنان القدير (إبراهيم جلال): كيف نجدد؟(*)
يقول: «... إن أهمية حركة الحياة وما يحيطها زادته وعيا واقعيا وإدراكا للفعل وقيمته التغييرية، وإن ذاكرته ومطالعاته وتراكم الخبرة الفنية كان لها الاثر الكبير في بنائه كإنسان أقرب إلى الطبيعة، الطبيعة كما يفهمها في حركتها وهارمونيتها، فهو ضدّ كل من يقف أمام وجه هذه الحركة بهدف التعويق وإرجاع أو تجاوز الزمن، ويدعو إلى الانسجام مع الحياة والتلاؤم في صيرورتها، وهو مقتنع أن كل شيء يتغير في آخر المطاف نحو الأفضل؛ لأنه قانون الطبيعة، وما هو مشوّه من ظواهر نصطدم بها يوميا ما هي إلا عوارض طارئة سرعان ما تسحقها عجلة ديالكتيك الطبيعية، وتصفو الأمور في النهاية لصالح الانسجام والتناسق في الحياة».
ويقول أيضا:
«والتجديد لشيء موجود أصلاً... إذًا عندما لا نملك شيئًا أصلاً اسمه المسرح فكيف لنا أن نجدده؟ إذ إننا نضيف إلى رصيدنا خبرة ما لم يسبق أن مرت علينا من تجارب المسرح العالمي لأول مرة... فهذا نسمّيه جديدًا وليس تجديدًا».
 وكما عرفناه متمردًا فهو هادئ وساكن، ولا يقف عند حدود، فلم يقتنع بأي عمل، إذ يضيف إلى العمل سواء عرضًا أو إنجازًا فليس من السهل التعامل معه، الذين شاركوه بالعمل يفهمون ويستوعبون كل ما يريد.
بدايات أسلوب (إبراهيم جلال) في المسرح، كانت في أول الأمر تحت تأثير أسلوب أستاذه (حقي الشبلي)، الذي سرعان ما ابتعد عنه نحو المسرح الواقعي الشعبي تحت تأثير مفاهيم الواقعية الاشتراكية، ثم تعمقت الواقعية عنده أكثر بعد دراسته القصيرة في ايطاليا، ومنهج ستانسلافسكي والطريقة في الإخراج بعد سنة(1954) عند عودة (جاسم العبودي) من دراسته للمسرح من الولايات المتحدة سنة(1963)، ثم أخذ يجرب المنهج البرشتي الملحمي في أعماله منذ سنة(1963)، بعد ان حصل على الماجستير، وظلّ مخلصا ومتحمسا لهذا الأسلوب. 
أما أهم الأعمال التي قام بالتمثيل فيها أو إخراجها:
- في عام(1930م) تعرف إلى المسرح بشكل مباشر بعد زيارة فرقة (حقي الشبلي) مدينة الحلة وعرض مسرحية (مجنون ليلى) لأحمد شوقي.
- مثّل في أفلام (القاهرة – بغداد) إخراج المصري (أحمد بدر خان).
- (عليا وعصام) إخراج الفرنسي (أندريه شوتان).
- (ليلى في العراق) إخراج المصري (أحمد كامل مرسي).
- (1948م): مسرحية (شهداء الوطنية) قدمتها الفرقة الشعبية للتمثيل وضمت عناصر تخرجت من قسم التمثيل في معهد الفنون الجميلة منتصف الأربعينيات.
- شايف خير للمخرج (محمد شكري جميل).
- أصبح مديرًا فنيًّا لفيلم (الحارس) أخرجه الفنان الراحل (خليل شوقي).
- فيلم (سنوات العمر) و(الأسوار) للمخرج محمد شكري جميل.
- (فيلم الرأس) للمخرج فيصل الياسري.
- (الأيام الطويلة) للمخرج توفيق صالح .
 كُرّم الراحل إبراهيم جلال نقيبًا للفنانين، وكرّم مع العاملين في فيلم (الأسوار) الحائز على جائزة (سيف دمشق الذهبي) عام(1979) باحتفالات القطر آنذاك بيوم المسرح العالمي ببغداد.
 وكُرّم وتُوّج في أكثر من مهرجان مسرحي عربي منها في (القاهرة وقرطاج ودمشق)، كما قام بتمثيل أفلام عديدة منها (فائق يتزوج)، (الفارس والجبل) للمخرج محمد شكري جميل.
 وخاض الإخراج في فيلم (حمد وحمود) الذي قام ببطولته كل من ( حسين نعمة, وأحمد نعمة, وشذى سالم) ونخبة من نجوم الفن العراقي.
أخرج أبرز مسرحياته منها (مقامات أبي الورد, البيك والسائق, آني أمك ياشاكر, الملحمة الشعبية, عقدة حمار, الطوفان, الأسود والأبيض, المتنبي, وآخرها: الشيخ والغانية). وقد أصيب بمرض السكر واستمر بالعطاء والعمل والإبداع.
 (إبراهيم جلال) من الرواد الأوائل في العراق يستحق ما ذكر عنه، يكفي أنه حيٌّ في قلوبنا وذاكرتنا ولا نزال نشاهد أروع الأعمال التي مثلها وأخرجها.
 ويختم لنا الفنان الكبير إبداعه بعد أن(بتر ساقه) وهو يقوم بتصوير عمله الأخير (الوداع الأخير)، يفارق الحياة وينتقل إلى (رحمة الله) في يوم (29أغسطس 1991 في بغداد).
 الراحل الأستاذ إبراهيم جلال الفنان والعراقي الأصيل من أعلام الفن ورمز من الرموز الإبداعية، استطاع أن يحفر اسمه في سجل التاريخ الإبداعي للعراق وفي قلوب كلّ من تخرج من تحت معطفه الكبير, الرحمة والخلود لك أستاذي ابراهيم جلال، وأسكنك الله فسيح جنانه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) ملاحظة: تم الاستفادة من مجلة (مسرحنا - نجاة الجشعمي).
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=165140
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2022 / 02 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13