أقصى درجات الجرأة والتعدي تأتي عن طريق رفض سلطة السماء والرد عليها لتبديلها بسلطة وضعية وضيعة، ومن خلال نبذ القيم والمبادئ السلطوية الحاكمة التي اُوجدت في المجتمع ، ليأتي المتمردون بشعارات براقة هدفها النيل من مظاهر العفة والطهارة لنشر البديل عنها من الميوعة والفجور والانحلال والانحراف . مما يعني محاربة الأحكام الإلهية وتبديلها بسنن جاهليةوتغيير المُثل العليا وتغييب القيم والتقاليد الرصينة المحافظة لتحل محلها الرغبات الشيطانية لتأخذ بالمجتمع الى المجون والصفاقة.
تمتع الفرد بما اكتسبه من محيطه الاسري والاجتماعي من تعاليم وقوانين وسنن وقيم أخلاقية رفيعة سوف تميزه عن أقرانه ليكون محطة إعجاب ورغبات بل يصل إلى الحسد في احايين كثيرة ، وهذا التميز تأتى عبر زمن ليس بالقصير من التربية واكتساب الفضائل التي انتشرت بين ربوع مجتمعنا العراقي.
ولهذا فإن المجتمع حينما يتمتع بعدد من الثوابت القيمية و الأخلاقية والمثل العليا تجعله في الطليعة ما دام محافظا على البنى التحية السلوكية لبناء اي بلد حضاري متماسك فينظر اليه المفكرون والعلماء من خارجه بكل احترام وتقدير ليأخذوا منه ما اشتهر به من شيم وخصال خُلقية رفيعة وقيم اجتماعية وعرفية نبيلة كالكرم والشجاعة والأصالة والحياء والاحتشام والتآلف حيث جعلت من الفرد فيه مرتبطا ارتباطا وثيقاً بالعائلة والعشيرة والمجتمع لتتدرج تلك الحال فتعم وبوضوح على ربوعه .
ولوجود الروادع المختلفة من قوانين وضعية وسنن عشائرية وقيم مجتمعية ومبادئ أسرية واعظمها واكبرها الأحكام الشرعية تجعل من المنحرف فيه شاذاً بالمعنى الخاص والحقيقي لأنه من تعدى كل تلك الموانع التي تحيط به من كل جانب ومكان وفي كل زمان فيكون علامة فارقة واضحة المعالم في هكذا مجتمع .
هذا النموذج الراقي لن يروق لأعداء الدين والإنسانية المتربصون به فقد اجتمعت كلمتهم عليه منذ بزوغ نور الإسلام المحمدي العلوي العظيم فيه وبعد فشل أساليب القتل والتجويع والإرهاب من الوصول إلى الغاية الشيطانية (( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان الا ان حزب الشيطان هم الخاسرون )) المجادلة / 19/
نعم ، نعترف وبمرارة أنه أصبحت لهم مرتبة من النجاح وموضع قدم وقد ولّد لهم من يؤيدهم ويروج لافعالهم
الرخيصة .
فالخوف كل الخوف من حالة التمرد ، والتي تعدت أن تكون ظاهرة طارئة ، بل لا سمح الله تعالى خوفنا أن تكون في يوم من الأيام مسألة طبيعية وكأن المجتمع قد تربىٰ ودرج عليها في مفاصلة المختلفة ولا تنفك عنه وتحل شيئاً فشيئاً بدلاً من الثوابت والركائز التي يرتكز عليها اما هي فتصبح في عالم النسيان . وما تمرد الأبناء على الأسرة وقيمها وأبناء العشيرة على ثقافتها وعموم المجتمع على قوانينه ورموزه سوف تنحدر به سريعاً للتمرد على العلماء ثم المحطة المحطِمة والمنجية له وهي الدين والأحكام الشرعية فتراه يتفاخر بها معلنا بفسقه وفجوره دون رادع أو خوف او حياء (( الم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم )) التوبة / 63/
وليعلم الفرد بأن تمرده على اهله سيكون مدعاة وسببا لانتشار الفوضى العارمة و اللانظام وفقدان التوازن فينتج منه التشرذم والتصدع والزوال ليصبح تحت طائلة التمرد المجتمعي .
فحينما يتمرد الراعي على المرجعية و الاحكام الشرعية وهي التي تمثل القمة في الوجود لارتباطها بالله تعالى و الخلاصة في وجوب التمسك.
فلايهمه حينئذ ما يتمرد عليه من دونها فقد بيّن الامام الحسين عليه السلام يوم عاشوراء :(( اما انكم لا تقتلون رجلا بعدي فتهابون قتله بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم اياي ))
وعليه ستتأثر الرعية بفعل راعيها ، ولربما اذا رأى أبناؤنا قدوتهم يتمرد على الحكم الشرعي والسلطة الالهية فسيقلدونه في ذلك وهذا عين الخطر فحينها تجد الالحاد وشبهه وقد اصبح سمة واضحة في مفاصل طبقات المجتمع وما هي الا نتاج التمرد الذي مورس ، فيتحصل التفكك الأسري وضياع الأبناء وتمييع القيم النبيلة والتقاليد الأصيلة والعادات السامية مما يؤدي إلى زعزعة الوضع العام وتغير الحال لأسوأه و الخنوع لأرادات اهل الفسق والفجور ليكون المجتمع راضخا قابلا خاضعا وخانعا امام اهل الفحش والتهتك.
|