الابتهال في الدعاء يعني تفويض الامر الى الله. وفي اية المباهلة يفوض الطرفين الله تعالى بلعن الكاذبين. من هنا جاءت كلمة المباهلة في هذه الاية بمعنى الملاعنة " ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61). وحضور النبي وذريته عليهم السلام في المباهلة كونه متأكد ان عقيدته على حق والطرف الاخر على باطل وكاذب والا لم يعرض نفسه واهله الى تهلكة لعنة الله.
اختار النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم عليا مصداقا لنفسه كما جاء في احاديث شريفة انه نفس علي وهو لا ينطق عن هوى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4)، وفاطمة مصداق للنساء ليس فقط كونها ابنته بل تحمل عقيدته لان زوجة نوح عليه السلام مثال لمصداق النساء التي لا تحمل عقيدة ازواجهن بل عدوة الله "ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ" (التحريم 10)، والحسن والحسين ابناء الرسول ومن اهله لانهما يحملان عقيدته وان لم يكونا من صلبه المباشر كون ابن نوح عليه السلام من صلبه ولكن ليس من اهله "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ" (هود 46). وكان مسير النبي محمد اولا تليه فاطمة ثم علي وبعده الحسن والحسين عليهم السلام للدلالة على ذرية النبي المتعاقبة كما هي ذرية الانبياء السابقين والتي اشارت اليها ايات سورة ال عمران من اية 33 الى 61 ومنها "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم" (ال عمران 33-34). ان لكل نبي ثقل من اهله كما جاء في الحديث الشريف (ان لكل نبي اهلا وثقلا وهؤلاء اهل بيتي وثقلي) مشيرا الى علي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام " فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ" (ال عمران 61).
تتميز اية المباهلة بسماحة وسلمية دين الاسلام "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا" (الانفال 61) حيث لم يطلب سبحانه وتعالى من نبيه مقاتلة نصارى نجران طالما لم يعتدوا وانما بالابتهال اي التفويض لامر الله باللعن على الكاذب الذي يقول عيسى ابن الله وليس عبده "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" (المائدة 73). بالاضافة ان العقاب يحصل بعد التبليغ وليس قبله "فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ" (الشورى 48).
ان مبدأ اللعن موجود في عدد من الايات منها اية المباهلة وايات اخرى "قالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ" (البقرة 88) و " فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ" (البقرة 89) و " أولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" (البقرة 159) و " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" (البقرة 161) وغيرها. واللعن للظالم والمعاند وسالب الحق، ولا يحصل الا بعد وضوح الصورة عن المعتدي كما في حالة يزيد قاتل ابن رسول الله الحسين عليه السلام احد الابناء في اية المباهلة " فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ" (ال عمران 61).
بما ان الاية تشير الى كذب احد الطرفين فيعني ان الطرف الاخر هو الصديق. لذلك فان محمدا واهل بيته هم الصديقون في اية المباهلة، وكما جاء في الحديث الشريف عن علي عليه السلام (انه الصديق الاكبر والفاروق بين الحق والباطل من احبه هداه الله) وكما جاء في الاية المباركة "وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ" (الحديد 19).
|