قد يعتقد البعض ان الصراع الدائر بين حكومة المركز المتمثلة برئيس الوزراء نوري المالكي وحكومة الاقليم متمثلة برئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني . سينتهي عندما تجمعهم مائدة مفاوضات واحدة .ولكن حقيقة الامر هي غير ذلك . فأيام الصراع بين شخصيتين ينتهي الصراع بانتصار احدهما او توافق الطرفين قد ولت . فالمشهد السياسي العراقي قد تعقد وتعقدت معه اشكال الصراعات التي تحدث في البلد وأصبح لكل صراع عدة اطراف بعضها واضح جلي وبعضها الاخر خفي لا نجد له ظهورا في المشهد السياسي ولكن خلف الكواليس قد نجد هذه الاطراف الاطول باعا والأشد تأثيرا في مسار الصراع .والصراع الدائر مؤخرا بين الحكومة المركزية ورئاسة اقليم كردستان يعتبر نموذجا من نماذج الصراعات المعقدة الذي تعددت فيها الاطراف . وبعيدا عن الاسهاب في الموضوع استعرض خمسة نماذج من اطراف الصراع التي اعتقد انها موجودة في الصراع الدائر بين الحكومة المركزية ورئاسة اقليم كردستان .
1) الطرف الاول (القادة) :
للأمانة العلمية يطلق علماء التفاوض على هذا النوع من الاطراف ب (counterparts ) وترجمتها المتناظرون ولكن طبيعة الصراع الدائر بين الحكومة المركزية ورئاسة الاقليم دعتني الى اطلاق تسمية القادة . والمراد بالقادة هم الشخصية المعنوية لرئيس الوزراء نوري المالكي يناظره او يقابله في الجانب الاخر رئيس اقليم كردستان . وهكذا نوع من الصراع يعتبر من الصراعات البسيطة والغير معقدة فالأشخاص واضحين ومسار عملهم واضح .من خلال تصريحاتهم في وسائل الاعلام .وان كان هنالك شيء يضمرونه فهو ليس بالكثير .من الممكن ان تجمعهم طاولة مفاوضات يتطارحون فيها افكارهم ومقترحاتهم ومن الممكن ان يتوصلوا الى اتفاق ولكن اي اتفاق لن يكتب له النجاح ما لم يتم التعامل مع الاطراف الاخرى للصراع بحكمة وبعد نظر .
2) الطرف الثاني (المكونات):
اكرر ما قلته سابقا .ان ايام الصراع بين شخصيتين قد ولت فتعقد المشهد السياسي وتعدد الاحزاب السياسية وتشكل عدة تحالفات ادى بدوره الى ان يفقد القادة الكثير من زخمهم لصالح المكونات السياسية التي يتزعمونها او يمثلونها وان لم تكن تلك المكونات حاضرة في المشهد التفاوضي فان القادة لن يكونوا في حل من تأثير تلك المكونات عليهم . فالسيد نوري المالكي يقع تحت تأثير التحالف الوطني وعلى وجه الخصوص دولة القانون ولقد ظهر هذا الامر جليا في تكرار حالات التصريحات الاعلامية لبعض شخصيات التحالف الوطني التي لم يستطع السيد نوري المالكي من السيطرة عليها وفي الجانب المقابل نجد ان السيد مسعود البرزاني يتأثر بشكل كبير بالتحالف الكردستاني الذي تتعدد بداخله الرؤى بالكيفية والأدوات التي يتم فيها التعامل مع الصراع .هكذا نوع من الصراعات قد يزيد من مستويات الصراع المواقف ويولد اشكال اخرى من الصراعات التي تثقل كاهل القادة .
3) الطرف الثالث (اصحاب المصالح) :
صاحب المصلحه هو اي شخص قد تتأثر مصالحه في مجريات الصراع او التوصل الى اتفاق ومن الممكن ان يكونوا من القادة او المكونات وفي احيان كثيرة قد لا يكونوا من هذا او ذاك قد لا يتواجدون في المفاوضات ولكن مصالحهم ستكون حاضرة ومؤثرة .لذا فمن الحكمة على القائمين بالتفاوض بالبحث والتدقيق عن المصالح التي سوف تتأثر بأي مسار تفاوضي والتعامل معها بموضوعية لما سيكون لهؤلاء من تأثير على مجريات التفاوض او صيغة التوافق ولعدم الاطالة سأتطرق الى حاله واحدة من المصالح التي اعتقد انها الاهم وان لم تكن الوحيدة.وهو موضوع محافظة كركوك . التي يصفها المحللون السياسيون بان كركوك قنبلة موقوتة في الجسد السياسي العراقي سيأتي اليوم الذي ينفك عنها صمام الامان ولكن لا يوجد من يمكنه التكهن بما ستؤول اليه الاحوال فيما لو انفجرت .وعلى الرغم من غياب موضوعة كركوك في مشهد الصراع لكنها الموضوع الابرز والأكثر تداولا خلف الكواليس والذي سيفتح الباب لتدخل طرف ثالث في الصراع وان بدى غائبا ولكنه يراقب بحذر لتطورات الاحداث ذلك الطرف هو المكون السني الذي اصفه بأنه الغائب الحاضر من مجريات الاحداث يتصنع الصمت لكنه يتحرك وبقوة خلف الكواليس لضمان سلامة مصالحه .
4) الطرف الرابع (اصحاب القرار):
مما لاشك فيه ان القادة او المكونات لن يكونوا بمنأى عن التأثر بشكل او اخر بتأثيرات اصحاب قرار يمتلكون السلطة والنفوذ للتأثير في قراراتهم ولن تمرر اي صيغة اتفاق ما لم تكن برضاهم او نيل استحسانهم وان تم اي اتفاق خلاف ذلك فلن يتم لهذا النوع من الاتفاقات الديمومة . وتحركات رئيس اقليم كردستان الدولية من جانب وتحركات وكثافة اتصالات زعماء دول الجوار والمحيط الدولي ما هي إلا اشارات قوية على مدى نفوذ اصحاب القرار في مجريات الاحداث .
5) الطرف الخامس (المخربون)
قد تثير تسمية الطرف الخامس الاستغراب ولكن حقيقة اي صراع شامل ومعقد لا يخلو من وجود مخربون ومصطلح المخربون (spoilers)هو مصطلح يستخدم في عالم التفاوض للإشارة الى الاشخاص او الكيانات الذين يسعون الى سد اي منفذ قد يؤدي الى التوصل الى اتفاق مابين طرفي النزاع .والصراع الدائر بين حكومة المركز ورئاسة الاقليم تفتح شهية الكثير من المخربين الذين سوف تتأثر مصالحهم من حدوث اي حالة توافق وسيسعون جاهدين الى توسيع فجوة الشقاق بين الطرفين . هؤلاء الاطراف قد يكونوا محليين او دوليين قد تختلف ادوات عملهم ولكن هدفهم واحد هو منع اي حالة تقارب او اتفاق .
|