سواءً كانَ معنى [الأَمَد] هُنا الغاية أَو المَسافة، فإِنَّ كِلا المَعنيَينِ يتجَلَّيانِ في عاشوُراء منذُ حدوثِها وإِلى يومِ يُبعَثون.
فالغايةُ منها مُمتدَّةٌ كما أَنَّ المسافة [الأُفُق] مُمتدُّ ومُستمرٌّ.
بنفسِ العُنفوان وبنفسِ الإِنطلاقةِ والإِندفاع وبنفسِ التَّأثير والإِحياء، إِن على مُستوى الإِنسان الفرد أَو الإِنسان الجماعة.
في عام [١٩٧٧] حاول نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين أَن يُجرِّبَ حظَّهُ في الحربِ على الحُسين السِّبط (ع) فأَصدر أَوامِرَهُ المُشدَّدة، المصحوبة بالتَّهديدِ والوعيدِوالمدعِومةِ بعدَّة آلاف من الدَّبَّابات والمُدرَّعات والطَّائرات النفَّاثة [وأَنا شاهِدٌ على ذلكَ]، بمنعِ زيارة الأَربعين مشياً على الأَقدام، بذريعةِ أَنَّ [المشَّايةَ] مظهرٌ من مظاهرِ التخلُّفالتي تُعرقل تقدُّم الأُمَّة وتحقيق شعارات [الحزبِ والثَّورة].
هل استسلمَ الحُسينيُّون لقراراتهِ؟! هل استوعبها الشَّارع الحُسيني وبرَّرها؟! هل تركُوا الطَّريق وجلسُوا في بيوتهِم؟!.
أَبداً، فلقد انطلقت المَسيرة ووصلت إِلى غايتِها [قبرُ الشَّهيد في كربلاء] وقد قدَّمت التَّضحيات الجِسام التي يُرخِصُها عادةً العقائِديُّون من أَجلِ عقائدهِم ومبادئهِم.
لقد وصلت ثُلَّةٌ منهُم إِلى غايتهِم، إِلَّا أَنَّ كُلَّ واحدٍ منهُم كانَ يُمثِّلُ أُمَّةً انتشرت في العالَم، وما المسيراتِ المليونيَّة التي نراها اليَوم إِلَّا رافِدٌ من ذاك البحر الهادِر الذي سقاهُالحسينيُّونَ بدمائِهِم الزَّاكية.
لقد حاولَ الطَّاغوت وقتها أَن يحبِسَ الذِّكرى في صندُوقٍ، وأَن يُحجِّمها ويُقزِّمها ويُضيِّق عليها.
هُنا تجلَّت معاني تلكَ العِبارة العظيمة التي ذكرَتها عقيلةُ الهاشميِّين زَينب بنت عليٍّ (ع) في خطابِها النَّاري بمجلسِ الطَّاغية الأَرذل يزيد بن مُعاوية في الشَّام {وَلا تُدرِكُأَمدَنا}.
جُلْ ببصرِكَ اليَوم وبعدَ مرورِ [١٤] قرنٍ على خطابِ العقيلةِ و [٤] عقودٍ على مُحاولات نظام الطَّاغية، فستتأَكَّد بأَنَّ أَمَدَ الحُسين السِّبط (ع) مُمتَدٌّ معَ الأُفقِ ومعَ الزَّمنِ لايُدرِكُهُ كُلَّ طواغيت الأَرضِ مهما تفرعنُوا.
إِنَّ رايةَ عاشوراء تُرفرِفُ الآن في الاتِّجاهات الأَربعة من الكُرةِ الأَرضِيَّةِ، وفوقَ أَعلى قِمَّةٍ في هذا العالَم [قِمَّة جبل إِيفيرست في سلسلةِ جِبالِ الهَمَلايا] لتذكيرِ البشريَّةبالنِّداء الذي أَطلقهُ الإِمام (ع) {أَلا يا أَهلَ العالَم إِنَّ جَدِّيَ الحُسينَ قُتَلُوهُ عطشاناً}.
رايةٌ تُذكِّرُ البشريَّة بحجمِ الظُّلم الذي لحِقَ بأَهلِ بيتِ النبوَّة (ع) على يدِ سُلطَةٍ [دينيَّةٍ] مُزيَّفةٍ مُتعطِّشة للدِّماء.
رايةٌ تُذكِّر دُعاة حقُوق الإِنسان بحجمِ الظُّلم الذي تعرَّضت لهُ حقُوق الإِنسان على يدِ السُّلطة الغاشِمة التي قتلت الإِنسان وحزَّت رأسهُ ورضَّت بالخيُولِ أَظلُعهُ! وذبحتطفلهُ الرَّضيع وسبَت عِيالهُ وأَهدت رأسهُ إِلى طاغوتٍ!.
رايةٌ تُذكِّر العالَم بمسؤُوليَّاتهِ إِزاء الإِنسان الذي صنَّفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ في عهدِهِ للأَشترِ النَّخعي عندما ولَّاهُ مِصرَ {إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} إِذا ما تعرَّضَ للظُّلم والعُدوان لأَيِّ سببٍ كانَ.
رايةٌ تُذكِّر البشريَّة بأَنَّ التَّضحيةَ من أَجلِ الإِنسان الذي كرَّمهُ الله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} وحرَّم التعدِّي عليهِ وسفكِ دمهِ {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِيالْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ} عملٌ هوَ مِن أَشرفِ الأَعمالِ وأَفضلِها عندَ الله تعالى وبالعقلِ والمنطقِ.
ولكلِّ ذلكَ رفعت إِنتفاضةُ صفرٍ المُظفَّر رايةَ عاشوراء مكتوبٌ عليها {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ۚ} فاليدُ التي تمتدُّ لتنالَ من عاشوراء أَو من أَنصارِ عاشوراء ستُقطَعُ لأَنَّ يدَ اللهفوقَها!.
لقد نجحت الإِنتفاضة وبامتيازٍ في تحقيقِ شيئَينِ استراتيجيَّينِ؛
*في حمايةِ الشَّعائر من عبثِ الطَّاغوت لتنتشِرَ يوماً بعدَ آخر ببركةِ تِلكَ الوقفةِ الحُسينيَّةِ المُشرِّفةِ والدِّماءِ الطَّاهرة.
*في فضحِ الأَهدافِ الحقيقيَّةِ بعيدةِ المدى للطَّاغوت.
لقد كانت الإِنتفاضة شعائريَّة ولائيَّة سياسيَّة.
أَصِفُها بالسياسيَّة من خلالِ الشِّعارات التي رفعَتها ضدَّ نظام الطَّاغية عندما شعرت أَنَّهُ يستهدِف وجُودها سياسيّاً لتصفيةِ شعائرَ ولائيَّة كانت البداية لمواجهةٍ أَشمل.
ولقد اتَّضحت صحَّة ذلكَ بحَملاتِ الإِعتقال وأَحكام الإِعدام التي نفَّذها الطَّاغوت ضدَّ أَنصارِ عاشوراء وما رافقَ جرائمهِ من حملةِ تشويهٍ ضدَّهم نفَّذتها ماكينتهُ الإِعلاميَّةالقذِرة.
|