أن أخطر ما في السياسة والتعامل بها هو الحكم على الطرف الآخر من كلمة واحدة و دون معرفة موضوعية كاملة عن الشخص أو سلوكه. وتوظيف هذا الجانب في مسألة التخوين والتنكيل بمجرد عدم صدور رأي في قضية معينة، أو يذكر مسألة دون أخرى. فعدم ذكر جانب معين لا يعني بالضرورة موافقة تلك الوجهة. وإليكم بعض الأمثلة التي قام بها أهل البيت عليهم السلام بشكل عملي في الحذر بالتعامل مع هكذا قضايا.
مسألة خالد بن الوليد عندما قتل مشركا نطق بالشهادة الأولى فقط وغضب النبي الأكرم بمقتله على يد خالد بن الوليد دليل على أن الدين حذر ويحذر من الحكم على الآخرين بمجرد عدم قبول الآخر بمزاجه، لاسيما تحديد الوجهة الدينية والثقافية للشخص، فإعتراض النبي كان من خلال حكم قطعي صدر من خالد بن الوليد بمسألة كذب المشرك وأنه نطق بالشهادة الأولى ليتجنب الموت، والنبي استنكر الحكم المسبق والمكون من موقف واحد وكلمة واحدة فقط.
مثال آخر عند تعامل أمير المؤمنين عليه السلام مع طلحة والزبير عندما أرادو الخروج للبصرة، وهو يعرف بما يقومون به مسبقاً ، لكنه لم يحكم بحكم الخوارج عليهم حتى قيام السيف بينهم.
وهذا ما قاله زهير بن القين صبيحة يوم عاشوراء عندما نصح الأعداء بقوله : يا أهلَ الكوفةِ نَذارِ لَكُمْ مِن عذابِ الله، إنَّ حقَّاً على المسلمِ نصيحةُ أخيهِ المسلمِ، ونحنُ حتَّى الآنَ إخوةٌ على دينٍ واحدٍ ما لم يقعْ بينَنا وبينَكمُ السَيفُ؟ وقد أشاد سيد الشهداء بنصيحته وكلامه وأثنى عليه. فكلام زهير ينبأ إنه وأصحابه واميرهم سيد الشهداء مازالوا لم يحكم بخروجهم عن الدين أو الحكم على توجههم إلى جهة معينة مادام السيف لم يقع بينهم مع انهم يشحذون سيوفهم ليل نهار لمحاربة الحسين عليه السلام.
كل تلك الأمثلة وغيرها الكثير التي حصلت لأهل البيت عليهم السلام في الحذر والدقة بالتعامل مع هذه المسألة الحساسة تقول على الآخرين نطق الأحكام بمجرد موقف معين لاسيما إن كان الموقف سياسيا أو اقتصاديا، فالدين لا يتعامل إلا بضوابطه وقواعده التي نص عليها من خلال القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وسيرة أهل البيت عليهم السلام.
|