سافرت الى الغرب للدراسة وبالتحديد في إحدى جامعات الولايات المتحدة الأمريكية دون الحاجة لتحديد الجامعة و في اي ولاية، لا لوجود حرج في ذلك وإنما لمعرفتي بنمطية بعض العقليات العربية المشاغبة في هذه القضايا حيث سيترك لب وجوهر موضوعي ويتمسك بإمور هامشية انا في غنى عنها وعن تشويش ذهن القارئ..
💢 في حقبة الدراسة سعيت للحضور في الندوات والمؤتمرات العلمية والفكرية التي تقام هناك حول مختلف الموضوعات والقضايا الاجتماعية والفكرية والسياسية ونحوها، ومالفتني هو :
أن جملة الباحثين هناك وعموم من تلتقي به وتتحدث إليه على هامش المؤتمرات تصبغهم صبغة ولون نفسي فكري واحد وهو الإعتزاز والإعتداد بموروثهم الثقافي والفكري الفلسفي وغيره، والسعي الجدي لنسبة كثير من المفكرين والنظريات الفكرية اليهم، بل حتى لو كانت تلك النظرية قد نشأت على يد مفكرين غير غربين ولكن بما أن التطوير لها قد حصل بعقول غربية فالأمر عندهم برمته غربي..
■ والملاحظة المهمة جداً بالنسبة لي هي أن السيرورة المعرفية الغربية :
في صناعة وصياغة المفاهيم والمناهج المعاصرة فلسفيا وسياسيا وسسيولوجيا والخ تمت وتتم من خلال الرحلة والعودة الى الماضي والموروث ما قبل الميلاد في حقبة فلاسفة اليونان والإغريق..
🔅 خذ مثلاً :
مصطلح ومفهوم الديموقراطية.
ومصطلح الهرمونيطيقا..
ومصطلح الانطولوجيا..
ومصطلح الابستمولوجيا..
وغيرها وغيرها الكثير..
🔰 هذه وأمثالها كلها اصطلاحات ومفاهيم ومناهج يونانية واغريقية ما قبل الميلاد تم استدعاؤها وتطويرها وتحسينها بما يتلائم والظروف المراد طرحها فيه..
🌀 وعندما إنتهيت من الدراسة في الغرب وأقفلت عائداً للوطن العربي و شعرت برغبة في عملية موائمة بين ما تحصلت عليه في الغرب، وما يمكن أن أتحصل عليه في الوطن من نتاج ومنجزات وندوات، صدمت.. من حجم الإسفاف والتهميش والتهكم على الموروث والفكر الإسلامي والعربي، بل والسعي الحثيث للإنسلاخ منه ومحاربته أشد المحاربة وتقديم نقودات هدامة وليست بناءة، وان تم الزعم بأنها بناءة وهادفة وهذه مدعيات جوفاء لأن الطرح النقدي البناء لايكون بلغة ساخرة ومهينة وتهكمية وفيها من التعالي الزائف..
♻ وياليتها وقفت عند هذا الحد، بل هناك ما هو أدهى وأمر وأوجع لقلب الإنسان المنهجي الأكاديمي الجدي ، حيث أنني عندما كنت في الغرب، لا تجد الباحث والكاتب والمفكر في أي حقل معرفي يكتب ويتكلم وهو لا يملك أدنى مقومات البحث العلمي الجاد ولايملك مفاتيح وأدوات الحقل الذي ينشد الإسهام فيه..
وإضافة لذلك لا يسمح له ولا يحق له الكتابة والحديث مالم يكن قد تمرس في التحقيب التاريخي أيضاً لتلك الرؤى والنظريات التي سيتطرق لها ، بل حتى الباحثين المعاصرين في حقل الإسلاميات الشيعية تحديدا بالجامعات الغربية ممن رغب في توسيع مدياته الفكرية و أُفقه المعرفي شد رحاله المعرفي إلى الحوزات الشيعية في النجف وقم أو تواصل معها، وهذه المسألة موثقه وموجودة في الانترنت بعض صور أولئك ونتاجاتهم لمن يرغب في ذلك، وبعضهم أتقن اللغة العربية وتمهر فيها ليقرأ المصنفات العلمية بلغتها الأم، ويمكن لمن يريد التثبت أن يبحث عن أمثال :
_ البرفسور روبرت غليف..
_ البرفسور أليساندرو كانسيان.
_ البرفسور أندرو نيومان.
🔸 بينما جملة وافرة من الكتاب والباحثين والأكاديميين والنخب الثقافية والفكرية في الوطن العربي، يكتب وهو لم يدرس بجد وكدح معرفي المواد والمصادر والمناهج للموضوع والحقل العلمي الذي يرغب في الكتابة عنه، خصوصاً و أن الإرث الإسلامي والعربي ممتلئ ومشبع بالمناهج والنظريات الكثيفة والعميقة..
🔹وهذه طامة وكارثة ثقافية وفكرية، فقد أصبح عقل القارئ والمتابع العربي والاسلامي رهين لسماسرة الكتب والكتابة المزخرفة والمنمقة التي لاتملك مقومات منهجية وعلمية..
🔹لا أعلم ماذا أصابع عالمنا العربي والإسلامي حتى أصبح الكثير يهرف بما لا يعرف ويتحدث بما لا يحسن ولا يتقن، والكثير يريد أن يكون مثقف بالتنطع، والكثير يريد إقتحام الساحات العلمية والفكرية بدون جدارة واستحقاق.. وا أسفاه..
هكذا تتحول الظاهرة الثقافية الصحية إلى حالة مرضية ويضيع في زحمة المتنطعين، كثير من المتألقين...
♨ أملي أن نشهد حركة تداولية ثقافية رصينة وأصيلة تعتز بموروثها الدينية والثقافي والفكري، لا ليجمد عليه بل لينهض به ومنه ومعه إلى أفاق أرحب ويسهم من خلاله في تقديم منجزات فكرية معرفية تخدم البشرية في أبعادها الوجودية والإنسانية وتحقق لها معاني أرقى وأرفع مما هي تنحدر فيه هذه المرحلة...
|