حرص الإمام الحسين عليه السلام على الوفاء بالعهد، وكان ذلك في أشدّ الظروف قساوة، وأكثرها إيلاماً ومحنة.
منها: عهده وميثاقه مع الحرّ بن يزيد الرياحي على أن يسايره فلا يعود إلى المدينة ولا يدخل الكوفة، وقد التزم الإمام بذلك، ورفض مخالفة هذا الاتفاق عندما سنحت له الفرصة لذلك حين جاء الطرمّاح بن عدي الطائي وقال للإمام الحسين عليه السلام : «والله، إنّي لأنظر فما أرى معك أحداً، ولو لم يقاتلك إلّا هؤلاء الذين أراهم ملازميك لكان كفى بهم، وقد رأيت قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ظهر الكوفة، وفيه من النّاس ما لم ترَ عيناي في صعيد واحد جمعاً أكثر منه، فسألت عنهم، فقيل: اجتمعوا ليُعَرضوا ثمّ يُسرّحون إلى الحسين. فأنشدك الله إن قدرت على ألّا تقدم عليهم شبراً إلّا فعلت، فإن أردت أن تنزل بلداً يمنعك الله به حتّى ترى من رأيك، ويَستبين لك ما أنت صانع، فسر حتّى أُنزلك مناع جبلنا الذي يُدعى (أجأ)[1]، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير، ومن النعمان بن المنذر، ومن الأسود والأحمر، والله، إن دخل علينا ذل قط، فأسير معك حتّى أُنزلك القرية، ثمّ نبعث إلى الرجال ممَّن بأجأ وسلمى من طيء، فوالله، لا يأتي عليك عشرة أيام حتّى يأتيك طيء رجالاً وركباناً، ثمّ أقم فينا ما بدا لك، فإن هاجك هيج فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم، والله، لا يُوصَل إليك أبداً ومنهم عين تطرف.
فقال له: جزاك الله وقومك خيراً، إنّه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأُمور في عاقبة»[2].
فبرغم حراجة الموقف إلّا أنّ الإمام عليه السلام وَفَى بعهده، وإن كان ذلك الوفاء قد أفقده عشرين ألف ناصر في ظرف قد عزّ فيه الناصر.
ومن الجدير بالذكر أنّ الطرماح بن عدي عندما أقبل كان دليلاً لأربعة نفر جاءوا معه لنصرة الإمام الحسين عليه السلام ، فأقبل إليهم الحر بن يزيد قائلاً: «إنّ هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممّن أقبل معك وأنا حابسهم أو رادّهم.
فقال له الحسين عليه السلام : لأمنعنّهم مما أمنع منه نفسي، إنّما هؤلاء أنصاري وأعواني، وقد كنت أعطيتني ألّا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد. فقال: أجل، لكن لم يأتوا معك. قال عليه السلام : هُم أصحابي وهم بمنزلة مَن جاء معي، فإن تممت عليّ ما كان بيني وبينك وإلّا ناجزتك. قال: فكفَّ عنهم الحر»[3].
المصادر:
———
[1] (أجأ): على وزن: فَعَلَ، وهو علم مرتجل لاسم رجل سُمّي به أحد جبلي طيء. اُنظر: الحموي، ياقوت ابن عبد الله، معجم البلدان: ج1، ص94.
[2] أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص88 ـ 89.
[3] اُنظر: أبو مخنف، لوط بن يحيى، مقتل الحسين عليه السلام : ص87 ـ 88.
|