كثيرا ما نسمع اليوم اننا شعب يصنع الدكتاتورية ؛ فهل الصنمية متجذرة في مجتمعنا ام انها من الثقافات الوافدة الينا ام لا هذه و لا تلك ..
اعتقد ان الامر لا يدور مدارا نفسيا قدر تعلقه بأمور واقعية جرت على أرض العراق مجرى الدم في عروق من عاش و استوطن ارض العراق ...
بحسب تصوري و وفقا لما بحثت فيه و درسته و تعلمته ؛ اجد ان اصل فكرة ( المعبود البشري ) حديثا قد انبثق في ألمانيا عبر فلسفة فريدريك نيتشه و بسبب تغلب التجربة العلموية على الخط الكنسي في حرب الثلاثين عاما في أوربا من جهة و قيام الثورة الصناعية فيها من جهة اخرى ؛ انها تتلخص في طرحه للانسنة من خلال مقولته الشهيرة ( ان الإله قد مات ) و قد كان البديل الذي طرحه هو ( الانسان ) و لكن اي انسان ؛ انه الانسان المتفوق ( السوبرمان ) و قد أعاد بذلك انتاج الإمبراطورية الرومانية التي ما كانت مؤمنة بالتوحيد في جذورها ، و قد عاشت أوربا حربين كونيتين بسببه في القرن المنصرم أنتجت تسيّد الغرب و أوربا على العالم فصار ( قانون الشعوب ) الذي كانت تفرضه على الاراضي التي دخلت تحت سلطة روما بالقوة ممثلا بميثاق الأمم المتحدة لعام ١٩٤٥ و اعلان حقوق الإنسان في ١٩٤٨ اعقبه تنصيب حكومات لبلداننا أطلقت عليها تسمية الدكتاتورية .. ( الدكتاتور ) هو الاسم الذي كانت تطلقه روما على الحاكم في المناطق غير الرومانية الداخلة تحت سلطتها بالقوة ؛ انه ( قانون الشعوب و الدكتاتور ) من جديد و لكن بطور اخر ، و بإسقاط الدكتاتورية في القرن الواحد و العشرين و تزاوج الدساتير الحاكمة في مختلف بلدان المعمورة مع المفاهيم التي تناولها ميثاق الأمم المتحدة و اعلان حقوق الإنسان كما اسلفنا فقد تم إعادة انتاج قانون الشعوب مجددا و لكل منها بحسبه اما الحاكم الجديد فصار اختياره من الشعب ( و سواء كان ذلك وفقا لمنطق المؤامرة ام لمنطق طبيعة الاشياء ) فإننا امام ولادة جديدة لتعميم العمل بثنائية ( السيد - العبد ) ، و قد ميز نيتشه بين السادة و العبيد من خلال تطرقه لاخلاق السادة و أخلاق العبيد مستخلصا القوة و ما يتعلق بها فعلا للسادة دون العبيد فالحق للقوة .. عودا على بدء فان حادثة حرق ابراهيم و نجاته من النار كانت مفصلا في حياة العراقيين للرجوع الى التوحيد الذي نادى به نوح و التنصل من حكم القوة الغاشمة و عبادة الاصنام رافق ذلك هجرة ابراهيم و تركه أرض العراق ، و قد تناوبت حضارتي فارس و الروم على حكم العراق و انتهى بهما الامر ليحكم الفرس العراق عبر دولة المناذرة و الروم للشام عبر دولة الغساسنة ، و اخيرا انهيار و سقوط الإمبراطورية الفارسية امام الإسلام عبر العراق و هزيمة الروم و توقيعهم لمعاهدة او هدنة او سمّها ما شئت مع ابن الخطاب .. و اذ عاد علي عليه السلام الى العراق بعد ما يقرب من ٥٠٠٠ سنة تلاه الحسن عليه السلام ليسيل دم الحسين عليه السلام على أرض العراق و ما تلا ذلك من أحداث و حتى يوم الناس هذا ؛ كل ذلك يدلل على ان العراقيين أسبق من نيتشه في تقديسهم للانسان الا ان الفارق في الامر يكمن في اننا عرفنا الانسان المتفوق واقعا عاش بين ظهرانينا لا وهماً تخيلناه ، لقد عرفناه في ابراهيم و في علي و الحسن و الحسين عليهم السلام .. و ما زلنا ننتظر ظهور اخر سلالاته - اللهم عجل لوليك الفرج - ايمانا منا بان القوة للحق .. اقول ان الامر لا يقتصر على العراقيين و انما يتعلق بالانسان عموما كونه يمثل و يشكل الحالة الوسطى التي تدور فيه و عليه المعركة بين الصنمية و الألوهية ، بين التوحيد و الشرك .. فكيف بمن يعيش على أرض العراق ؛ البوتقة التي جرت و تجري فيها كل تلك التفاعلات .. ان الحديث عن صناعتنا للدكتاتور ما هو الا وهمٌ يُراد منا تصديقه قبل ان يجثم على صدورنا لنقبل به و بعد طول عناء عشناه للتخلص من الدكتاتورية التي فُرِضت علينا بالقوة .
|