في فضاءِ الحقيقةِ تبلّجَ قمرُ الآل، يُنيرُ أرضَ نينوى كما أنارَ أرضَ صِفّين الحالكةَ، بدرٌ توهّجَ نورُه، أشرقَ بينَ خافقيه حُبُّ حبيبِ اللهِ ووصيّه، ارتشفتْ منه الأمواجُ فيضَ الحياة، نسرٌ يُحلِّقُ في سماءِ الحُرية، سمفونيةُ العِشقِ الحُسيني تعزفُ أنغامَ حُبِّه، جوهرةُ الوفاءِ تتلألأُ بِذكرِ اسمِه..
تدرّعَ بهيبةِ أبيه أميرِ المؤمنين (عليه السلام)، تجلببَ بالمناقبِ، تلفّعَ بالفضائل، بان على شمائلِه سيماءُ الطالبيين، رفعةٌ ومجدٌ، وجاهةٌ وسؤددٌ... تشرّبتْ روحُ الحوراءِ (عليها السلام) به، وماجَ فؤادُها بِحُبّه، توهّجتْ عيناها تحكي أسرارَ إخوتِه، وعِزَّها وهيبتَها بوجودِه..
لِمَ تسكتُ الكلماتُ وتُغادرُني الحروف؟!
آهٍ لعبراتِ أميرِ المؤمنين (عليه السلام) يُقلِّبُ كفّيه وهو ما زالَ في المهدِ غَضًّا، بقُبُلاتِه يحنو عليه يعتصرُ ألمًا، ويختنقُ حُزنًا..
قمرٌ تحيّرتْ سماءُ الطفوفِ به، تَعانقَ الشموخُ مع اسمه..
كيفَ يجمعُ قلبُه ثورةَ البراكينِ على أعدائه، ودفءَ مشاعرِه لأحِبّته؟!
بطلُ كربلاءَ يصطِلمُ الأعداء، يفِرّون من بينِ يديه ليحقنوا دماءهم، وجهنمُ كشّرتْ أنيابَها بانتظارِهم..
كأنّه ملكُ الموتِ يحصدُ بالأرواحِ قبلَ الرؤوس، كمثلِ أبيه حيدر يومَ خيبر؛ يستأصِلُ أهلَ النفاقِ فيخِرّون قُدّامَه صَعقًا.. يتقفقفون من اسمِه خَوفًا ..
يا صاحبَ البصيرة، والأخُ المُدافعُ عن أخيه في تلك الظهيرة..
يا حاملَ اللواءِ ومن سواهُ جديرٌ بِحمله؟!
يُدافِعُ عن الدين قلبُه، وإحساسُه في الخيامِ مع أُختِه وأطفالِ الحُسينِ (عليه السلام)...
يجولُ في الميدان، يُجندِلُ الخرصان، يرميهم لِسَقَر، تَشرَّبَ الشكيمةَ في الرضاعِ حتى امتلأ، فصارَتْ شَجوه يومَ الطفوف، وكربلاءُ صارتْ له تتيُّمٌ وهوى..
يا وصيةَ أبيه يومَ الرحيلِ وكفالةَ الحوراءِ التي باتتْ له وسامًا ومفخرة، من يومِها حملَها دمًا يسري في شريانه، يُروِّضُ روحَه ليومِ الزمجرة، شقَّ عليهم عِزُّه.. وأُعضِلَ عليهم مجدُه، استحلوا بقتله الحُرمة، فاستحقّوا من اللهِ (تعالى) النقمة..
رفعه اللهُ (تعالى) في عليين، فرافقَ النبيين والصِدّيقين..
يا سيّدَ الماء الذي احتشمَ الفُراتُ من قربته، فغارَ في الأرضِ يبحثُ عن مأوى لخجلته، فلم يرَ بُدًا إلا أن يعتذر، يجثو تحتَ قدميه ويدورُ حولَ قبرِه.. يا أَيُّها السقّاءُ وقُطبَ كربلاء.. ما زلتَ بدرًا يُندِّدُ غَيهبَ السماء، وتَتَسنَّمُ أُفُقًا تَجللَ بِالدماء تصطكُّ أسنانُهم من الرُعبِ..
|