كنت اعتقد قبل اشهر باني الشخص الوحيد الذي فكّر بطرح فكرة ولاية ثالثة للسيد رئيس الوزراء نوري المالكي وذلك لاكمال ماشرع به من اعمال كبيرة وجليلة للعراق وشعبه وفي احلك الظروف والتجاذبات السياسية ومعرقلاتها, ولكن كنت مخطأً فلقد ورد ذلك على لسان المستشار القانوني فاضل محمد جواد (1) بقوله " الدستور العراقي لم يحدد مدة تولي رئاسة الوزراء ... لذا فانه لا يوجد عائق قانوني يمنع تولي رئيس الوزراء ولاية ثالثة " وتوالت بعدها المقالات والاشارات الواضحة الى ذلك وقد ابدى المجلس الاعلى بصراحة رفضه للفكرة على لسان احد قياديه وطالب بتعديل الدستور لتفويت الفرصة للتجديد, مع ان السيد المالكي لم يتطرق في ايِّ من لقاءاته الى هذا! على العكس تماما فقد صرح الرجل بانه لاينوي الترشيح للمرة الثالثة في فترة احتدام الصراعات حول تشكيل الحكومة وقد جاء تصريحه على ماأتذكر بسبب اتهام اطراف معينة تمسكه بالمنصب وفي طريقه لتأسيس دكتاتورية جديدة!! الرافضون لهذه الفكرة رغم كونها مازالت في طور الاماني والتصريحات الاعلامية وانها سابقة لاوانها, ولم تُعلن بعد من قبل اي جهة رسمية لاسيما وفترة السيد المالكي الثانية لرئاسة الوزراء مازلت في اولها, اهتزت اركانهم واصابهم الخبل وهرعوا لتدارك الامر بالصراخ والعويل قبل فوات الاوان وان تطلب ذلك تعديل الدستور وترميمه بما ينسجم ومخاوفهم.
اما لماذ لفترة ثالثة ؟ ولماذا هو بالتحديد؟ وهل عقم العراق عن ولادة قائد آخر؟ الاجابة على هذه الاسئلة المشروعة وغيرها بسيطة وفي متناول الجميع , وبعيداً عن المحاباة والتعاطف وربما التعصب الطائفي الذي سيتهمنى به البعض !! اقول بان موقفي تجلى على اساس منطقي وواقعي لاعلاقة له بشخص معين ولا بطائفة معينة وهذا التبرير للاصدقاء ومحبي العراق فقط وليس للحاقدين او البعثيين , وكما للاخرين مواقفهم ودفاعهم حتى عن الخونة والعملاء لدول العار والجوار , لنا ايضا مواقفنا الداعمة لأبناء العراق البررة وشتان ما بين الموقفين.
ليس من الضروري اعادة سرد تفاصيل حزمة الانجازات التي قامت بها الحكومة بقيادة السيد المالكي منذ تشكيلها رغم المنغصات والازمات الاعلامية منها والواقعية في وضع اقل مايقال عنه بانه مضطرب وخطير , ولكن لابأس بالمرور على بعضها للتذكير فالذاكرة العراقية مثقوبة ومتعبة بسبب الفوضى التي يقف ورائها البعثيون , ومنها ـ الانجازات ـ القضاء على الجريمة المنظمة بنسبة كبيرة وانخفاض منسوب العلميات الارهابية بشكل ملحوظ وكبير الا ما يتم برعاية اطراف سياسية معروفة!! اضافة لمنجز اخراج المحتل الامريكي وبصورة سلمية رغم مراهنة الكثيرين من المرجفين والمنافقين باستحالة حدوث ذلك وهو يعادل منجز اسقاط النظام البعثي الطائفي الدموي!! ولابد من الاشارة كذلك لمحاربته ـ السيد المالكي ـ البعثيين وعودتهم تحت مسميات جديدة ولامعة تسرُّ المغفلين والدايخين من اخواننا, وفرض فقرة مهمة من قبله في اتفاق اربيل ـ اخضاع كل الاتفاقات للدستور ـ قصمت ظهر القائمة العراقية وشروطها التعجيزية التي عطّلت تشكيل الحكومة لثمانية اشهر, وتفريغ فكرة تشكيل مجلس يهيمن بشكل مباشر على الرئاسات الثلاثة بقيادة السيد علاوي من محتواه ,كذلك تفويت الفرصة على القائمة البعثية ( العراقية ) بفرض اجندات خارجية خليجية ـ تركية , تسعى لابقاء العراق ضعيفاً ومدمراً , يرزح تحت نيرالخلافات الطائفية المسُتغلة بصورة ممنهجة بعثياً واقليمياً لتسويق مخططاتهم , اصرار وحرص الحكومة على عدم الانجرار خلف التصريحات النارية والازمات البعثية المصّنعة خصيصاً لتثبت فكرة مفادها بان الشيعة لايصلحون للحكم !! بالاضافة للاتهامات والشتائم التي تعرض لها رئيس الوزراء شخصياً من قبل علاوي والملا والمطلك والشيخ صباح الساعدي وغيرهم من الخاسرين.
كلنا يعرف بان السيد المالكي جاء بعد صراعات وتداخلات دفعت باتجاه ابعاد رئيس الوزراء السابق السيد ابراهيم الجعفري عن منصبه وموقف كتلة التوافق التي وصفته بالطائفي والضعيف على لسان المطلك ودخول الاكراد كطرف مؤيد لعملية العزل وبدعم من المجلس الاعلى بقيادة السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) , في فترة كانت اشد الفترات حساسية وخطورة بعد انتشار عمليات القتل والتفجير والذبح الطائفي بصورة مخيفة ومقلقة , ولعل الحدث الابرز أنذاك هو تفجير مرقدي الامامين على الهادي وابنه الحسن العسكري (عليهما السلام) في مدينة سامراء, الذي اثار مشاعر عموم الشيعة في العراق وكادت البلاد ان تحترق باسرها لولا رعاية الله والخيرين من ابناء العراق , ومواقف الصدريين البطولية في موازنة الرعب الوهابي بين مناطق الشيعة في بغداد والمناطق المتاخمة لها , وتحجيم الدور الارهابي القذر في زرع الخوف والموت والخراب بين اهلنا.
ذكر السيد المشهداني في حديث متلفز (2) اسباب تأييده للمالكي في الانتخابات الاخيرة وانجازات حكومته في الملف الامني, وبالاضافة الى ماذكر السيد المشهداني لابد من التذكير بالعلميات العسكرية ضد المليشيات المسلحة والعابثة بأمن الدولة والمواطن بدون تمييز بين السنة والشيعة, وقطع دابر الارهابيين والبعثيين وحرق اعشاشهم في المناطق العراقية لاسيما في المنطقة الغربية من العراق وبدعم ومساندة الشرفاء من ابناء المنطقة وحملاتهم الشجاعة ضد القاعدة وانصارها هناك.
الكثير من العراقيين استغربوا من صمود هذه الحكومة وثباتها في وجة التحديات الداخلية والخارجية وهذه نقطة تضاف الى رصيدها, مع انها حكومة بقيادة " شيعية " وهذا مالم يحدث في تاريخ المنطقة منذ مئات السنين , ,وبدل نجاح محاولات اسقاطها بالتآمر من قبل آل سعود ودويلة قطر ودول اخرى مجهرية وكبيرة وبمساندة عبيدهم مدفوعي الثمن في العراق, راحت الحكومة تحقق نجاحات دبلماسية كبيرة ومهمة على المستوى الاقليمي والعربي تكللت بعقد قمة بغداد بعد 21 سنة من القطيعة والعزلة التي فرضها الحكام العرب على العراق , بصرف النظر عن نقمتي الشخصية من بعض الضيوف الطائفيين وحكوماتهم الدكتاتورية الذين حضروا بتمثيل ضعيف اوعزوه بعدم اعترافهم بحكومة بغداد!! واستطاع العراق من خلال هذه القمة فرض وجهة نظره في الشأن السوري وخطورة التغيير الوهابي المدعوم من اطراف خليجية ,واعادة العلاقات الطيبة مع دولة الكويت الشقيقة وحضور اميرها شخصياً الى القمة, وبزوغ بوادر امل كبيرة في اخراج العراق من طائلة البند السابع , وقضايا اخرى تطرق اليها بعض الاخوة الكتاب في مقالاتهم.
اذن نحن امام حكومة قوية وقائد متمكن من ادواته السياسية ولديه تصور واضح للمرحلة الراهنة ومهارة فائقة بمعالجة الازمات الداخلية والخارجية بروحية عالية وحكيمة, تكسرت كل امواج البعث الحاقد واشاعاته المغرضة امام صلابته وثوابته الوطنية الراسخة , وهذا مايفتقده العراق في اولى خطوات بناءه كدولة ديمقراطية متحضرة يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات , وحتمية فرض سلطة القانون على الجميع بدون استثناء , ويكفي المالكي فخراً بانه لم يستنجد بأي دعم خارجي ضد ابناء وطنه كما هرول غيره من زعماء الاحزاب الاخرى افراداً وجماعات.
علاوة على ماذكرت اعلاه من انجازات لايُستهان بها وملامح بروز وجه العراق الجديد, فان عملية جدولة تشكيل الوزارة في حالة عدم التجديد للسيد المالكي لولاية ثالثة, وربما ولادة تحالفات جديدة ومتغيرة عن سابقاتها من شأ نها ان تُعيق عملية اكمال بناء ماتم التوصل اليه لحد هذه الساعة والعودة بنا للتوافقات والصراعات التقليدية ,فضلا عن وجود قوى سياسية عراقية تتناغم طائفيا ًوالتحركات الاقليمية المريبة ومؤامرتها الساعية لاسقاط نظام الحكم الديمقراطي في العراق والمجيئ بحكومة تنسجم وتطلعاتهم العروبية الخبيثة كما حدث من تآمر قومجي ـ طائفي ضد الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم وتسليم العراق لعصابة العفالقة أنذاك , وبذلك يتمكن اعداء العراق الدائمين من تشكيل محور وهابي ـ عثماني في مواجهة مايسمى بالخطر الايراني الشيعي, ليكون العراق مرة اخرى ساحة للصراع العربي ـ الايراني , ودرع المواجهة المرتقبة من قوات " ولد الخايبة " في العراق عوضاً عن مرفهي الخليج وامراءهم المترفين!!
لكن مع وجود حكومة المالكي التي اثبتت حتى هذه اللحظة وطنيتها الصادقة وسعيها الدؤوب لخلق مكانة مهمة ومرموقة للبلاد في محيطه العربي والاقليمي مع الحفاظ على الوحدة الوطنية وثوابتها في قيادة البلاد الى بر الامان , وحتى لو بدت الحالة كأنها حكومة ديكتاتورية نسبياً مع الفارق انها منتخبة اساساً مع أبقاء سقف الحريات المرتفع للصحافة والشعب لمراقبة عمل الحكومة وتقييم اداءها بشكل دائم وفعّال ضمن مقتضيات النقد البناء والمثمر ,وليس بالاشاعات الكاذبة والمفخخات والدسائس , فالاستقرار أمر ضروري ومهم في بناء الدولة وتثبيت اركانها لاسيما في هذه الفترة الحرجة !! وهذا لايتم الا بحكومة قوية ومتمرسة في العمل السياسي والعسكري وتستند الى ارضية صلبة وقاعدة جماهيرية واسعة وتؤمن حقيقة بالتداول السلمي للسلطة وبشرعية الانتخابات وسلطة القانون , وبعدها سيتعذر حتى على الاحزاب التخريبية والمتآمرة ان بقيت على قيد الحياة السياسية, تغيير النظم العامة للدولة ومؤسساتها الدستورية حتى في حالة وصولها لدفة الحكم في البلاد.
ـ حتى الانبياء احتاجوا القوة لثبيت حكم السماء!
|