عمق التجربة الحضارية الفكرية ومدى تلامسها مع أرض الواقع، هو ما يضفي سمة الاستمرارية لأي مذهب فكري في أي مجتمع، سواء كان منفتحاً أو مغلقاً على نفسه، غير أن بعض المجتمعات التي ارتضت أن تتقوقع داخل شرنقة الفكر المحدد، دون الخروج إلى العالم، بالإضافة إلى النظر بمنظار واحد لا يرى من خلاله إلا منجزه الذي اعتبره فريداً من نوعه، هو ما يؤدي بالتالي لموت عملية التطور الفكري داخل تلك المجتمعات.
 فقد أصبح من المهم اليوم محاولة مماحكة الآخر سواء كان غربياً او غير ذلك من أجل الحصول على أكبر قدر من الاستفادة الفكرية والعلمية والتكنلوجية و...الخ، للنهوض بواقع الحال، شريطة أن يكون هذا التماحك ضمن محددات فكرية لا تشط بعيداً عن تعاليم ديننا الحنيف، وبما يتواكب مع تطورات العصر، فهناك من ترك الحبل على الغارب لدخول بعض الحالات الشاذة إلى مجتمعاتنا الرصينة بحجة الحرية الفكرية، واضعاً بذلك بذرة تُؤسس لانحرافات مستقبلية، دون إدراك تلك المعضلة.
 لذا عند الحديث عن عملية الانفتاح الفكري، لابد أن نتكلم عن خريطة واقعية ومدروسة ترسم مستقبلاً واضحاً للأجيال القادمة، ولتكن مبنية على مبدأ اكتساب الأفكار الجيدة، واستبعاد كل ما من شأنه أن يمسّ ثوابتنا الفكرية.
 فحين ننظر اليوم للحضارة الفكرية الغربية، والتي هي حضارة جديدة على الساحة العالمية مقارنة بالحضارة العربية، نجد أن الشوط الذي قطعته في مجال الانتاج الفكري كبير جداً، وهناك بون شاسع في درجة الانجاز العلمي مع وجود بعض الملاحظات عليه، فنجد أنهم باعتراف الكثير من علمائهم قد اكتسبوا عنّا الكثير من الخبرة التي أهّلتهم للوصول لهذا الإنجاز من خلال قدرتهم على استنباط الجيد من الرديء مع وجود بعض الملاحظات على ذلك.
 وبالمقابل حين نرجع إلى مجتمعاتنا العربية، نجدها باتت تستورد جميع المفردات الفكرية الغربية دون التمحيص في مضامينها من باب مواكبة التطور، وهذا ما سيسبب الكثير من المشاكل الاجتماعية والأخلاقية للمنظومة الفكرية.
 إذن، علينا أن نختار بتمعن كل ما هو في صالح هذه الأمة وجلبه من أجل النهوض بواقعنا.