من بين مستلزمات الخطيب المفوّه فصاحة اللسان، فلا تعتوره حبسة، ولا تعيقه عقدة، ولا ينتابه سبق لسان.
وكان العرب يعيبون على المتكلم تلجلجه، واستعانته بحركات هي ليست من التعبير اللفظي في شيء؛ فقد قال الشاعر في معرض هجوه خطيباً:
مليء ببهر والتفات وسلعة * ومسحة عثنون وفتل الأصابع
هذا إذا كان الخطيب عاجزاً عن إيجاد الفكرة، أو اختيار المفردة المناسبة، أما إذا كان العائق صعوبة النطق، فذلك ما أدخله العرب في باب العي والحصر؛ بسبب خلل في طلاقة اللسان، وهذا ما يهمنا في هذا البحث.
ترى هل أن حبسة اللسان وانعقاده صفة موروثة، أم هما ناتج عرضي؟
في العصر الحديث ولسنين عديدة، اعتبر العلماء أن اللجلجة في النطق، علامة سموعة لقلق وحصر نفسي، وتلهف وهيجان عصبي.. وبصرف النظر عن معقولية التحاليل والاستنتاجات هذه، فان الأبحاث الأخيرة أكدت أن تلك العيوب اللسانية تنتقل من جيل لآخر.
ومن الطريف أن موروثية عيوب اللسان –بصورة عامة- كانت معروفة فطرياً لدى العرب، فقد أنشد الأصمعي في بني زط حين كان في كلامهم عجلة:
حديث بني زط إذا ما لقيتهم * كنزوا الدبى في العرفج المتقارب
وقال سلمة بن عياش في زقة أصوات وعجلة كلام بني رالان:
كأن بني رالان إذا جاء جمعهم * فراريج يُلقى بينهن سويق
وعلى أية حال، أن كينيث كيد –أستاذ علم الوراثة البشرية في جامعة بال- أجرى دراسة شملت(555)شخصاً لجلاجاً، وأكثر من ألفين من أقاربهم، تبيّن منها أن الذكور أكثر قابلية من الإناث على استيراث صفة اللجلجة.
لقد عرض (كيد) اكتشافه هذا في اللقاء السنوي الأخير للاتحاد الأمريكي لتقدم العلم، مشيرا إلى أن اللجلجة في الكلام تتردد بين أقارب الخاضعين للدراسة أكبر بكثير من ترددها في المجتمع بصورة عامة.
ومع أن هذا ليس برهاناً قاطعاً على وراثة العيوب اللسانية، فقد يكون الطفل -كما هو شأنه في العادة- يحاكي والديه في السلوك والكلام.
لكن احصاءات(كيد) أكدت أن(10%)فقط من بين الأطفال اللجلاجين، كحد أقصى، يمارسون اللجلجة بمثابة(محاكاة) لوالديهم، بينما التسعون الآخرون من والدين -أحدهما أو كلاهما- كان لجلاجا أثناء الطفولة، ثم استعاد لسانه الطبيعي قبل ولادة طفلهما، أو أن أقارب أحدهما كان لجلاجاً، وهذا بالطبع يؤكد موروثية اللجلجة.
|