• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : كبرى البلاغة .
                          • الكاتب : نضال حسن .

كبرى البلاغة

 البلاغة حيثما تدارى بأجل مقام تعلو عن إمكانية عصرنا وبهاتة الحروف، حيث كانت هنالك في وسط روضة خضراء تنبت نخلة صغيرة العمر ناضجة الثمر اسمها (كبرى البلاغة) وهي تستضل بمضلة نخلة عظيمة هي أمها
وكبرى البلاغة تحمل طلع مكنون بداخله العديد من العلوم واللغات فيما يتدلى من عثقها أطيب ثمارا 
لعطاء الجود والكرم
وكان أبوها هو القمر الذي يضئ لعيون ابنته من المعارف والعلوم التي تنير العقول بأباريق من ذهب اما أمها فهي توارثت العديد من العلوم والمناهل الإلهية من ابيها وهو السماء العالي القدر وكانت كبرى البلاغة تملك روح أطهر من ماء السماء وقلبها أصفى من المرآة وتمتاز بنصيب وافر من الوعي والإدراك ولها ذكاء مفرط وتلقت ثمار العلوم التربوية وزهور الفصاحة والبلاغةوالمنطق من ابيها القمر الذي أعطى المناهج التربوية للأجيال وأضاء طرق التربية الصحيحة للقُرون 
وذات يوم سألت أباها فقالت:أتحبنا يا ابتاه؟
فأجابها القمر:وكيف لا أُحبَكم وأنتم ثمرة فؤادي 
فقالت هي: ياأبتاه إن الحب لله تعالى، والشفقة لنا.
فتفطنت صديقتها المقربة لها(البلاغة)لذلك الكلام بسرعة تفوق سرعة البرق وقالت إن الحب ينقسم الى أكثر من معنى، وينقسم الى أكثر من قسم باعتبار نوعه ومنشئه ومنطلقه، وكل قسم منه له اسم خاص به ولكن يطلق على الجميع كلمة (الحب)

فهناك حُب الإنسان لله تعالى الذي خلق البشر وأنعم عليهم بأنواع النعم
وهناك حب الوالد لأطفاله، الذي ينبعث من العاطفة والحنان ولقد عبرت ياصديقتي العزيزة عنه بـ(الشفقة)

وفي هذه الأثناء قفز كلام من فم صديقتهم الفصاحة يهمس يا عزيزاتي اسمحا لي بالمشاركة في هذا الحوار الشيق الجميل فقالت كبرى البلاغة وصديقتها (البلاغة)
تفضلي يا مقلة عيوننا على الرحب والسعد أطعمينا من فاكهة أفكارك اللذيذة ياقرتا عيني ما تفضلتم به هو جادة الصواب وتوت البلاغة،وأنا أضيف لكم من ثمار فاكهتي من سلة الضاد ما قرأته وهو أن الشفقة: -هي العطف والحنان والرأفة والحُنو فهي فصيلة خاصة من الحُب .. ينبعث من قلب الوالدين لأطفالهم

وبعد هذا الكلام بلحظة سمعت كبرى البلاغة صوت والدها القمر ينادي:يا عزيزتي 
فأسرعت نحوه وقالت له بصوت دافئ حنين:نعم يا ابي فقال لها أهلا يا فلذة كبدي ومقلة عيني تقربي من أبيك ليتلمس من فطنتك فتقدمت نحوه واجلسها في جنبه وبدأ يلاطفها وقال لها: بُنيتي قولي واحد
فقالت:واحد
قال:قولي اثنين 
فسكتت
فقال لها: تكلمي ياقُرة عيني 
فقالت: يا ابتاه ما أُطيق أن أقول اثنين بلسان أجريته بالواحد فضمها الى صدره وقبلها بين عينيها
فصاحتها صديقتها البلاغة والفصاحة بصوت مرتفع: حفظك الباري جلا وعلا على هذه اللقطة التاريخية ياحبيبتنا فهذه دلائل على نضج فكرك المبكر وعلامات على قوة ذهنك المتوقد 
فاللسان ياصاحبتنا الذي قال:واحد،لايمكن له أن ينطق بكلمة اثنين :لان لكلمة (واحد) ظلال في ذهنك ياصديقتنا كلما ذُكرت الكلمة تَبادر إلى الذهن ذلك الظلال وهو وحدانية الله سبحانه وعدم وجود إلهٍ ثانٍ يشاركه في الألوهية والرُبوية وإدارة الكون ثم ودعت النخلة الصغيرة (كبرى البلاغة) أباها وتأمل له نوما وبركة إيمان في ساعة ليلته تلك ثم قبلت جبين أمها النخلة الكبيرة العظيمة البهاء وتنمت لها ساعات شوق مع معشوقها العزيز الجبار وودعتاها بلطف صديقاتها مع كثير الامتنان
وفي زحف الزمن أتى يوم مشرق جديد حضرن الى بيت النخلة عدد من السيدات العاشقات لكتاب الله ولعلم النخلة الصغيرة وهن من قديرات الشأن في مدينتها الكوفة وملقيات لتحية ومفصحات عن أجلال مقام كبرى البلاغة فرحبت بهن بألطف العبارات وأوسع الدلالات أجلستهن على عرش المقام 
فعبرن عن شكر الاهتماموقالن: إنا نشم عطورا زكية ورائحة مسك النبوة والإمام 
فردت على قولهن بأنه من عطر أمها الذي شربته من أبيها خاتم النبوة وقائد عرش الشريعة والسلام وعطر والدي الذي شرب من عصمة جدي
ثم بدأت النخلة الصغيرة درسها لسيدات الكوفة وجلستا إلى جانبها صديقتاها (البلاغة والفصاحة)
وشرعت توضح معنى الحروف المقطعة من بداية سورة مريم(كهيعص)أما الكاف:هو الحرف الثاني والعشرون من حروف الهجاء وهو صوت شديد مهموس، ومخرجه بين عقدة اللسان وبين اللهاة في أقصى الفم ولفظه بصوت انفجاري، فالله كريم فتزود من كرمه 
والهاء ياعزيزاتي: هو الحرف السادس والعشرون مم حروف الهجاء وهو مهموس رخو ومخرجه من أقصى الحلق 
هاء كلمة بمعنى التلبية مبنية على الفتح تنادي فلانا فيقول :لك هاء :أي لبيك
الهاء تهيمن او تغلب غيرها وتحل محله بعد خلوها من حاله وطبيعة وصوابه 
فبدل الملك يهيمن الهواء 
ومحل الوجود يحل الهرب
وبدل الوصل يكون الهجر
وبدل الحياة ينزل الهلاك
وبدل البناء يحل الهدم فلايمكن أن يكون لشخص أن يكون مهتديا وضالا بنفس الوقت 
والهاء،هو الحرف السري عند المؤمنين الخاشعين وهي تفيد معنى هو عن هوية الله التي تضئ بشعاعها الأفلاك 
والياء:وهي الحرف الثامن والعشرون من حروف الهجاء وهو مجهور واشبه بالحروف المتوسطة ومخرجه من بين أول اللسان ووسط الحنك الأعلى وتقول ييّيت ياء حسنة كتبتها 
والعين: وهو الحرف الثامن عشر موجود في العناية التي توجد بلطف الله وهو أنصع الحروف جرسا وألذها سماعا
والصاد:حرف الرابع عشر بحسب الترتيب الهجائي وهو اسم لسورة من القرآن الكريم ونعني به صندوق بريدي ووجوده في صلة تعني اتصال وهو حرف الصلابة يعني تراص الشيء بقوة حتى يكون صلبا وتراص الشيء قد يأتي لنقص في حجمه

وبعد انتهاء الدرس التقى القمر بابنته وقال لها:يانور عيني أتعلمين أنّ الحروف هي رموز لما سيجري عليك وعلى أخيك واخذ يحدثها عن بعض أحداث سر الفاجعة
فتغير لون وجه ملكة الجمال (كبرى البلاغة)وحاول والدها أن يخفف عنها هول الفاجعة
بعد سنوات عديدة مضت حصل ما أخبرها به والدها من وقعت الفاجعة بقطع قطرات الماء عنها وعن إخوانها واولادهم وقتلوا وثم سبي من بقي منهم من الرجال والنساء وساد الحزن قلب سيدتنا النخلة الصغيرة ووقعت في دائرة ضيقة
وتصرخ بصمتها وتقول: كيف لي أن أجمع قوتي وأفكاري وأكون راعية لبنات أخي وسبايا بني هاشم؟
وهل استطيع ان اعيد هيبة وجلال قوتي وأنا الآن أسيرة ومقيدة بسلاسل الظلام واسرعتا صديقتاها البلاغة والفصاحة بالمواساة والقول:-أنك كنت بأوج شعلة من بلاغتك وعمق دلالتك حين رأيت جسد أخيك الطاهر مرمي على التراب ألا تتذكر ماذا فعلت ياملكتنا؟ وماذا قلت؟
فقالت:بلاياصاحباتي لقد وضعت يدي تحت جسده النقي وأمعنت النظر إليه
ورفعت جسده المقطع نحو السماء أمام الجموع الكبيرة وأنا أنطق وأقول بمرارة شديدة(اللهم تقبل منا هذا القربان) وقدمت دروسا قيمة كانت كعاصفة دمرت الطغاة القتلة نعم يا حبيبتنا وسوف تنحل عقدك وتبقي مدرسة تروي عقول البشر بفاكهة الأفكار وسيماء الدلالة وإشارة لجهل الحاقدين والابرار
واذا بالسيدة تصل الى مجلس يزيد بن معاوية وتفصح عن أروع مواقف الدفاع عن الحق والتحدي لجبروت الطغاة والطاغي كان أمامها متربعا على ملكه وزهو انتصاره الزائف تحف به قيادات جيشه ورجالات حكمه وكانت أجواء مجلسه معدة ليكون الاجتماع مهرجانا للاحتفال بقتل أهل البيت وهو يترنم بهذا البيت: ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل فقاطعته السيدة (كبرى البلاغة)قبل أن يكمل أبياته بشجاعة واباء مستصغرة قدره وسلطان فعلته النكراء

وقالت:(الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق سبحانه حين قال (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)(الروم 10)
أظننت يايزيد أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك...) الى آخر الخطبة وفوجئ الطاغي بهذا الانقلاب المفاجئ وفقد السيطرة على نفسه ولم يدري كيف يواجه الأمر فكان يتهرب من الموقف بقطع الكلام ففرحتا الصديقتان المخلصتان وهن يعانقن النخلة ويقولا بصوت عالي هكذا كان الكلام مطابقا لمقتضى الحال ومفصحا عن الكمال.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158463
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 24
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15