حياة،أم دنيا مُنزهة من كل شيء،او لربما كون مُصغر مِنْ صلبِ كونٍ عظيم...فكانت حياتها تزدحمُ بالفضائلِ والمكرماتِ،وتموجُ بموجباتِ العظمةِ والجلالةِ،والقداسةِوالروحانيةِ،وتتراكمُ فيها الطاقاتُ والكفاءاتُ،والقابلياتُ ومقوماتُ الرقي والتفوق ، كله يكمُن في خضمِ هذا الكائنُ العملاقُ...فنبوغها ماهوالا وليد مِنْ ضلعٍ كسير،وهامةٍ شُجَتْ بمحرابِ ربِّها ساجدةً،هي بلاغةٌ مِنْ نورِ كبدٍ مسمومٍ ونحرٍ محزوز...كانت في مدرسة البيان وروعة البديع المحمدي تصطف صفاتها كأبجدية القرآن،،حتى اكتملت في كربلاء،عرفنا أنها قد سارتْ مِن العراقِ الى الشام وعادت الى العراق،ولكن لم ندركْ مِن كُلِ ذلك المسير شيء الا أنها كانت سبيةً،ولكن في كل خطوة كانت روائيةً لمجدٍ خالدٍ، تروي لنا مواضيعاً سرمدية،،،أحدهم في الحجاب وأخر في الامتنان وأعلاه في الصبر وتالي في الكبرياء وبين خطبة و رواية كانت الخطيبة الروائية واحدة تُسمى زينب(ع) كأنهاعليٌ(عليه السلام) في النبوغ،وفاطمة(عليها السلام) في الحياء.
لقد كانت لتلك البلاغة الدور الأكبر في استمرار السلالة المحمدية العلوية حينما وقفتْ سيدة المحجبات وفخر المخدرات خطيبة في مجلس الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد عليه أشد لعنة،..
أن الضرورة والحكمة هي التي اقتضت بأن يصمت الإمام زين العابدين .ع. طيلة المسير كي لايجلب أنتباه الناس إلى قدرتهِ على الكلام،وحتى يصب جام غضبه على يزيد،في الجامع الأموي، فلو كان الإمام زين العابدين.ع. يخطب أثناء هذه الرحلة..في الكوفة وغيرها،،فلعله لم ولن يكُن يسمح له بالخطابة في ايِ مكانٍ آخر.
وهنا بدأتْ جبل الصبر وكأنها تتفجرُ بركاناً يقذف بجمره في حجور الطغاة والكفار مِن إتباع معاوية وآل أمية عليهم اللعنة،،فكان ذلك السيل المُجْمّر ماهو الآ حكمة من محمد .صل الله عليه واله.وفصاحة من علي.عليه السلام.،،،قد أتحدتا لتتكون ثاني أعظم امرأة في سلالة النبوة تلك الشامخة الآبية(زينب.عليها السلام.)وهنا تولت السيدةُ زينب.عليها السلام. الخطابة في الاماكن التي تراها مناسبة....
وفي صدد الخطبة قال بشير ابن خزيم الأسدي:
"ونظرتُ الى زينب بنت علي(عليهما السلام) يومئذ فلم أرَ خَفِرةً،والله أنطق مِنها،كأنها تُفرغ عن لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،وقد أومأت الى الناس أن أسكتوا.فارتدتالأنفاس،وسكنتْ الأجراس"
فتعجب الجمع بين عدوٍ ومُحبٍ كيف لهذا النبوغ أن يكون صادر من أمرأة!؟نعم امرأة ولكن لو لم ينسوا أنها أبنة أبلغ البلغاء وأعظم الفصحاء علي .عليها السلامفهو إمام المتكلمين والخطباء وقد كان له أسلوبٌ خاص،ومستوى رفيع في كلامه وخطبه،يمتاز عن كلام غيره،وفي قمة الفصاحة والبلاغة ،وجودة التعبير،وعلو المستوى الأدبي والعلمي...
فأن الكلمات الادبية الرفيعة مُنقادة له بشكل عجيب،فهي تنبع من لسانه نبعا طبيعيا،دون اي تكلف أو تحضير مُسبق وكان لصوته نبرة معينة فكان الجمع في ذهول من وقفة زينب.عليها السلام. يرونها هي ويسمعون منها أبيها وكأنها خطبة مِن خطبه في مسجد الكوفة فكانت صورة طبق الأصل لكلام علي.ع. مِن البيانِ والمستوى والأسلوب وغير ذلك مِمّا تتضمنه بلاغة الخطب،،ففي ذلك المجتمع المتدفق بالسيل البشري،وفي ذلك الجو المملوء بالهتافات والأصوات المرتفعة من الناس،واصوات الاجراس المعلقة بأعناق الإبل...كانت البلدة تضج بكل احمرارصاخب،يحيطها الآلاف من الاعداء الذين يخنقون كل صوتٍ يرتفع مُناصراً لآل البيت.ع. ومضاداً للسلطة الأموية الغاشمة ويقضون على كُلِ انتفاضة متوقعة....
لِتصمّتْ كُل هذا وقفةُ الحوراء بذرابة لم تشابهها ذرابة قط....
فافتتحت كلامها بحمدِ الله ثم صلتْ وسلمتْ على جدها محمد.ص. بقولها "والصلاة والسلام على أبي محمد وآله الطيبين الاطهار"وبهذا الافتتاح عرفت نفسها للجمع المتجمهر بأنها ابنة رسول الله.ص....فكانت كلماتها كأنما نيازك تهبط عليهم لتحرقهم وتأريخهم مِن الوجود والخلود وهي تقف بكل فخر وعظمة وصبر وصمود أمام اشرس خلق الله ابن زياد عليه اللعنة،،،،
ثم أقبل عليها ابن سعد وقال لها:الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أُحدوثتكم...
فقالت له السيدة(عليها السلام):الحمدلله الذي أكرمنا بنبيه محمد.ص.وطهرنا من الرجس تطهيرا،وإنما يُفتضح الفاسق ويكذبُ الفاجر،وهو غيرنا والحمدلله
فقال أبن زياد:كيف رأيت فِعل الله بأهل بيتك؟!
ولئن لايصدر من الجميل وسوى الجميل ولئن الله هو الجمال بحد ذاتهِ أصمتت عليها السلام بإجابتها المحب والعدو بقولها:مارأيت إلا جميلاً،!...
فعندما نذكر كربلاء علينا أن نذكر الطف بجزئيهامكمليينلبعضهما،طفُّحسينٌ (ع) أنتصر به الدم على السيف واستمر شعاعه القاتم عبر السنين،وطفأ استمرارية الدين والمذهب المتمثل بمسير زينب(ع) حيث اصبحت بلاغتها ماهي الا الدرع الحصين للرسالة المحمدية.....
سيدتي كُل شيء يذوى خجلا،ويتطاير وكأنه ورقة خريفية قد بعثرتها الرياح،
موضوع يمكنني الوصف والإملاء الا في وصف كونك العظيم فأنني أجد قلمي عقيم وحبري متقطع،وكلماتي باهتة أمام فضائك الرحبفلاتقاسْ زينب بالنساء بل بما تحتضن السماوات وما يَقْبع في الأرض من الطيبات،،،فأنها ليس الافحوى مِن كتاب الله عز وجل.............
|