في مطلع سبعينات القرن الماضي كنت طالبا في الدراسه المتوسطه وكان مدير المدرسه الاستاذ (عباس) بعثيا متعصبا حاد النظرات وكان قاسيا لدرجة انه يضرب اي طالب يمر بقربه بعصاه الغليضه التي كانت لاتفارقه وبدون سبب فسميناه (عباس عوده أي هراوه) وكان يدرسنا درس اللغه العربيه ايضا وكثيرا ما كان يخرج عن(النص)ويحاول ان يفرض علينا افكار البعث بالاكراه.وفي احدى المرات قال لنا بنشوة واعجاب بانه قد(برز) في الحزب شخص يدعى(صدام حسين) فاثار اشمئزازي برغم صغر سني انذاك ولاادري لماذا قفزت في بالي كلمة(تبرز).وانا منذ نعومة اظفاري كنت انهل ما اشاء من كتب مكتبة والدي العامره ولازلت اذكر العدد الاول من مجلة (مجلتي)عام1969التي كانت ثريه بمواضيعها المنوعه لتعليم الصغار وكذا مجلة العربي الكويتيه وملحقها(العربي الصغير),فشجعني ذلك على كتابة نشره جداريه منوعه زينتها برسوم جميله وعلقتها على جدار المدرسه واذا بي افاجأ باستدعائي لغرفة (اتحاد الطلبه) لافهامي بانه لايجوز نشر شئ دون استحصال موافقة(الرقيب),وبسبب جهلي وقلة معرفتي بالقوانين تم ختم (النشره) بختم الاتحاد وهي مثبته على الجدار فكانت الاولى والاخيره,بعدها ادركت حدودي فقررت ان اكون مواطنا صالحا يسير بجنب هذا الجدار ولايتدخل بما لايعنيه.لتبدأ المعاناة بمضايقات البعثيين ونظراتهم اللئيمه التي تشعرك بانك شئ غير مرغوب به, وعانيت من ضغوطاتهم ومحاولاتهم المحمومه (لكسبي للحزب) وكنت اتذرع باني لااحب السياسه وان هدفي الاول هو مواصلة التعليم . وكنت ارى بعض اقراني الطلاب في ساحة المدرسة وممراتها وهم يرددون افكار وكلمات لم افهمها ولم اهضمها وينشدون الاناشيد (الثوريه)تتخللها كلمات مكرره منها الطليعه, التحرر, الدم, التحطيم..وبما ان الجو السياسي انذاك كان مشحونا ومحموما فقد ارغم مديرنا البعثي احد مدرسي الرياضيات(الاستاذمحسن) وهو شيوعي على تدريسنا درس (الدين) واتكا المدير على الباب وهو يراقب ماذا سيحدث,فقال الاستاذ (محسن) هل تعرفون يا اعزائي التلاميذ ما هي صفات رجل الدين؟ واكمل انه لديه لحيه ويلبس جبه وعمه وبيده سبحه وخواتم فاصابتنا موجه من الضحك وتحول الدرس الى مهزله واذكر اني لاحظت بعض الطلبه كانوا يستمعون لكلمات الاستاذ(محسن)بكل لهفه واعجاب..وهذا يفسر لنا سبب خوف البعثيين من انتشار الافكار المنافسه فابعدوا كل ذوي الفكر عن سلك التعليم. وفي احد ايام الخميس وأثناء رفعة العلم كشر المديرعن انيابه ليقول لنا ان هذه المدرسه يجب ان تكون للبعثيين فقط لذا على الجميع ان ينتموا للحزب القائد والا ليفتشوا عن مدرسه اخرى. ولاول مره في حياتي اصاب بالرعب لاحساسي باني سافقد مدرستي القريبه من سكني التي احبها كثيرا وسافقد اصدقائي المقربين, فقررت والاخرين الانتماء للحزب,فاذا بي اصدم بارغامي على التوقيع على ورقة اعدامي وأنا الطفل الصغير(القرارالذي ينص على اعدام كل من اخفى انتمائاته السابقه..). والصدمه الثانيه انه في الاجتماع الاول (والاخير) اخبرنا المسؤول بان المدير الاستاذ(عباس) لايعبر عن رأي الحزب بل عن رأيه الشخصي واننا بالتاكيد انتمينا للحزب القائد ليس بسبب المدير بل عن ايمان وعقيده ,فاصبت بالغثيان من هذه المبادئ المزيفه والاساليب الرخيصه للخداع واجبار الناس على الانخراط في حزب لايحضى باهتمام الناس واحترامهم بل كان الكثير لايزال يتوجس من البعثيين خيفة وهم يستذكرون جرائمهم في8 شباط1963وماتلاها من مجازر وحشيه اشار لها الاستاذ(عباس)ذات يوم في درس العربي وهو يقول بان الناس تسائلت بعد ثورة1968 عن هوية الانقلابيين فلما عرفوا قالوا (اهوووه هم هذوله البعثيين) وامتدح حزبه مدعيا انه الان شئ اخر.بعد الاجتماع اليتيم وبعدما لاحظ المسؤول تهربنا من حضور الاجتماعات الحزبيه متذرعين بكثرة الدروس وضيق الوقت كان يقف لنا بباب الصف في الدرس الاخير ليحاصرنا ويمنعنا من الخروج فكنا نقفز من الشباك مهرولين لبيوتنا هربا منه ومن دخان سكائره المقرف وحزبه الكاذب اللعين.
|