ليس من الغلو ولا حتى من الميثولوجيّا فيما إذا تبنينا نظرية الأنثروبولوجيا في دراسة المهدويَّة الحقّة، لطالما هناك توحد في البواعث والدوافع والأهداف بالمعنى الإجتماعي والثقافي بين منظومتي الأنثربولوجيا العامة والإسلام خاصة؛ ذلك كون مادة الاجتماع والتقارب بين المنظومتين هي دراسة الإنسان بوصفه كائناً عضوياً في المجتمع البشري، وله وظائفه ووسائله في صنع الحدث المجتمعي، وقدرته في التأثير والتأثر في الظاهرة الثقافيّة.
لذا، نجد طلب السلام والعدل والمساواة والإصلاح كلها مواد جامعة لإتجاهات التغيير في الأنثروبولوجيا والإسلام في التوصيف المهدوي خاصة، وإن إختلفتْ الأنماط والمناهج تطبيقياً، فالمهم هو الالتقاء في النتيجة والثمرات، مما يُشكِّل ذلك المُلتقى دافعاً لنا (نحن المؤمنين بالظاهرة المهدوية بوصفها إعتقاداً أو ثقافةً) في ضرورة التأصيل والتحرك الواعي، إنطلاقاً من الأصل إلى النتيجة، والحفاظ على إستقرار الإدراك الذهني عندنا عقدياً وثقافياً، وعدم السماح للآخر باختطاف إدراكنا في وقتٍ ما... فإذا كانتْ آيديولوجيّة الأنثروبولوجيا تؤمن بأنَّ للظاهرة الثقافية الإنسانية وجهين عقلاني وموضوعي، يتوفّر الوجه الأول على ثقافة عقلانية قويمة مقبولة عند الجميع مفاهيمياً وإذعانياً، ويتوفّر الوجه الثاني على حزمة من القيم الإجتماعية والفكرية وأنماطها الصائبة، مما يؤسِّس لطريقة حياة صالحة للناس أجمعين، فكذلك يوجد عند الآيديولوجيَّة المهدوية الوجهان العقلاني والموضوعي ذاتهما؛ إذ الظاهرة أو العقيدة المهدوية تنطلق هي الأخرى من أصلٍ عقلاني مكين ومتين يقيناً، وأعني به ضرورة وجود إمام معصوم ومُصلح للعالم أجمع، ومن واقع موضوعي قويم يُرادُ له التحقق وجودياً، وأعني به قيمة وحقيقة الإعتقاد بولادة الإمام المهدي (ع) ووجوده الواقعي المُعاصر، وترقب ظهور الشريف في المستقبل القريب وبإذن الله تعالى.
|