• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : معاناة الرسول ( ص ) في ترسيخ مفاهيم الإيمان .
                          • الكاتب : د . احسان الغريفي .

معاناة الرسول ( ص ) في ترسيخ مفاهيم الإيمان

  لم يكن من السهل تغيير سلوكية الفرد الجاهلي، وما ألفه في حياته وتوارثه عن آبائه وأجداد من العادات والاعتقادات والتقاليد الجاهلية التي لا توافق منهج الإسلام وتعاليمه السماوية، لذا تدخلت العناية الإلهية في تسهيل هذه المهمة الرسالية بتحبيب الإيمان في قلوب المؤمنين وكرَّه إليهم الكفر والعصيان؛ قال الله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ  [الحجرات :7].
 حقًّا إنَّها مهمة صعبة ألقيت على عاتق النبي محمد؛ فهناك جبهة الكفَّار الذين واجهوا الإسلام بالحروب والمعارك، وهناك المنافقون الذين سعوا بكلِّ وسائلهم لمحاربة الإسلام من الداخل، وبث التفرقة والشكوك في قلوب المؤمنين، وهناك المؤمنون الذين لم يتأقلموا مع الفكر الإسلامي الجديد، وهناك من لم يفهم منزلة الرسول وما هو السلوك الإنساني والأخلاقي الذي يجب مراعاته في التعامل معه، وإذا نظرنا إلى هذا الجانب من معاناة الرسول فنرى جانباً مؤلماً واجهه الرسول بكلِّ صبر وحلم؛ حيث نرى أنَّ بعضهم قد غلب عليه طابع البداوة والخشونة، فلم يرعَ لرسول الله9حرمة، متجاهلاً منزلة رسول الله9السماوية، فكان يناديه بأعلى صوته: يا محمد ! يا محمد! ، فنهاهم الله تعالى عن ذلك بقوله تعالى:P لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا O[النور: 63]، أي: لا تجعلوا دعاءكم إلى الرسول إذا دعوتموه كدعاء بعضكم بعضًا، فلا تقولوا له: يا محمّد مصرّحين باسمه، ولا ترفعوا أصواتكم عنده كما يفعل بعضكم مع بعض، بل قولوا له: يا نبيّ الله، يا رسول الله، مع خفض الصوت احترامًا له9. وفي موضع آخر علَّم القرآن كيفية التعامل معه9فقال: 
P يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ الله وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ الله أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ O[الحجرات: 1 - 5]، فعدم التأدب مع النبي9يؤدِّي إلى إحباط الأعمال لقوله تعالى: Pأَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَO، ومع كلِّ هذه الدروس الأخلاقية التي علَّمها القرآنُ الكريم لهم في كيفية التعامل مع الرسول تجد تجمّع جماعة من المصلين الراغبين بصلاة التراويح جماعة في شهر رمضان على باب رسول الله9يضربون الباب بالحصى، وهم في صخب يتصارخون بأعلى أصواتهم طالبين منه9الخروج إليهم متناسين بذلك منزلة رسول الله9، عارين عن أبسط الآداب الإسلامية في كيفية قرع الأبواب والتمهل والانتظار، تعلوهم غلظة وهمجية، وإساءة أدب، والله قد أمرهم بتوقير رسوله وتعظيمه، فأزعجوا رسول الله9وأغضبوه؛ وهذه الرزية مشهورة ولا تخفى على أحد رواها الخاص والعام، إذ رواها البخاري ومسلم عن Sزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: احْتَجَرَ رَسُولُ الله 9حُجَيْرَةً مُخَصَّفَةً أَوْ حَصِيرًا، فَخَرَجَ رَسُولُ الله 9يُصَلِّي فِيهَا، فَتَتَبَّعَ إِلَيْهِ رِجَالٌ وَجَاءُوا يُصَلُّونَ بِصَلاَتِهِ، ثُمَّ جَاءُوا لَيْلَةً فَحَضَرُوا وَأَبْطَأَ رَسُولُ الله 9عَنْهُمْ، فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ وَحَصَبُوا الْبَابَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مُغْضَبًا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله 9"مَا زَالَ بِكُمْ صَنِيعُكُمْ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُكْتَبُ عَلَيْكُمْ، فَعَلَيْكُمْ بِالصَّلاَةِ في بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلاَةِ الْمَرْءِ في بَيْتِهِ، إِلاَّ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ"R.
وجاء في تفسير هذه الرواية كما في عمدة القاري شرح صحيح البخاري، وفي شرح النووي على مسلم:S قَوْله: "وَحَصَبُوا الْبَاب" أَيْ رَمَوْهُ بِالْحَصْبَاءِ، وَهِيَ الْحَصَىR!.

علي الخباز, [١٢.٠٧.٢١ ١٧:٣٥]
فقد وصل الجهل بهم وسوء الأدب إلى أدنى المراتب حتى رموا باب الرسولبالحصى والحجارة، ففعل هؤلاء المصلِّون أقبح مِن فعل وفد المشركين مِن  بني تميم الذين جاءوا والرسول نائم وقت القيلولة، ووقفوا على أبواب الحجرات ينادون بأعلى أصواتهم: يا محمد يا محمد أخرج إلينا فإنَّما مدحنا زين وإنَّ ذمّنا شين، فأنزل اللهُ تعالى فيهم هذه الآية الكريمة ذمًّا لهم: Pإِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِO أي حجرات نساء الرسول 9، وكانت أبواب الحجرات إلى المسجدPأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَO أي فيما فعلوه بمقام الرسول الشريف ومكانته الرفيعةPوَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْO بعد هبوبك من قيلولتك P لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ Oأي من ذلك النداء بتعالي الأصوات من وراء الحجرات، حتّى أيقظوه من نومه، فأزعجت هذه الصرخات غير المؤدّبة النبي، ولما خرج إليهم رسول الله9 قالوا: جئناك نفاخرك فَاذَنْ لشاعرنا وخطِيبنا ليتحدّث عن مفاخر قبيلتنا، فأجازهم النّبي9فنهض خطيبهم وتحدّث عن فضائلهم الخيالية الوهميّة كثيراً، فأمر النّبي9 (ثابت بن قيس) أن يردّ عليهم، فنهض وخطب خُطبةً بليغة، فلم يُبق لخُطبة أولئك من أثر...
 وجاء في صحيح البخاري: Sعَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَادَ الْخَيِّرَانِ أَنْ يَهْلِكَا - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَفَعَا أَصْوَاتَهُمَا عِنْدَ النَّبِي 9حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ رَكْبُ بَنِى تَمِيمٍ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ أَخِي بَنِي مُجَاشِعٍ، وَأَشَارَ الآخَرُ بِرَجُلٍ آخَرَ - قَالَ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُ اسْمَهُ - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ مَا أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفي. قَالَ: مَا أَرَدْتُ خِلاَفَكَ. فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا فِي ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ الله Pيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَOR.
ومع كل هذه الإرشادات السماوية التي تأمر بالتأدب في حضرة الرسولاستمر سوء الأدب حتى آخر لحظة من حياتهوذلك في رزية الخميس حيث اتهموا الرسولبالهجران!!!
 فما أصبر رسول اللهعلى كلّ هذه المعاناة!




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=158003
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 07 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13