أنا مُذْ وعيتُ لعالمي لمْ أَنْتَمِ
متبرّماً يغلي التمرّدُ في دمي
فيهِ التناقضُ والتفاوتُ في الورى
ما دارَ فينا في نظامٍ محكمِ
ولِمَ المظالمُ والشرورُ بهِ طغتْ
ومنَ العدالةِ قد خلا لمْ أفهم ؟!!!
والناسُ فيهِ معَ الذئابِ تآلفوا
لم تلقَ فرقاً بينها والآدمي
ويسدُّ في وجهِ الفضيلةِ بابَهُ
لكنْ يُشرّعُهُ أمامَ المأثمِ
سرُّ الحياةِ يظلُّ لغزاً مُبهماً
جَهْلُ الفصيحِ بهِ كجَهْلِ الأعجمِ
تأبى المكارمَ والعلى لكنّها
ترضى بكلِّ رذيلةٍ ومحرّمِ
ويُغيظها منْ ناسها أخيارُهم
وتودُّ كلَّ منافقٍ ومُذمّمِ
لجّتْ تناصبني الحياةُ عداءَها
لاغروَ تمقتُ كلَّ عقلٍ مُلْهَمِ !!!
ما كنتُ أدري قبلُ سرَّ عدائها
حتى رأيتُ الأرذلينَ بأنعمِ
فيها الخسيسُ يعيشُ في بحبوحةٍ
ويعيشُ في سغبٍ عفيفَ المغنمِ
وبها المساويءُ كالجبالِ ضخامةً
لكنْ محاسنها بحجمِ الدرهمِ
أنّى أكونُ بها قنوعاً راضياً
وأرى مقامي في الثّرى لا الأنجمِ ؟!!!
أضحى قصيدي دمعةً وشرارةً
وصراخَ مذبوحٍ جميلَ ترنّمي
منْ حرِّ أنفاسي تلظّتْ أضلعي
حتّى استحالتْ كالجمارِ على فمي
أمضيتُ عمري حائراً متوجسّاً
لا كهفَ لي آوي اليهِ لأحتمي
وحدي أسيرُ بلا دليلٍ أو سنىً
وكأننّي أمشي بغابٍ مُظلمِ
لم تتركِ الدّنيا بقلبي موضعاً
إلّا أصابتْهُ بسهمٍ مخذمِ
تزجي إليَّ خطوبَها وهمومَها
كدريئةٍ جعلتْ فؤادي في الرمي
أنا والحياة بلا سلامٍ بيدَ أنّي
أعزلٌ أو كالخصيمِ الأجذمِ
لكنّني صارعتُها مستبسلاً
بفؤادِ مقهورٍ وجُرأةِ ضيغمِ
رباهُ هلْ بعدَ العذابِ بها عذابٌ
فالحياةُ وأهلُها كجهنّمِ
أنا لمْ أخنْ بلدي ولمْ أكُ سارقاً
لكنْ لقيتُ بها عقابَ المجرمِ
منْ كانَ ذا عقلٍ وقلبٍ مرهفٍ
يعشِ الحياةَ بغصةٍ وتألّمِ
ربّاهُ رفقاً بالجريحِ متى تجودُ
على جراحِي الناغراتِ ببلسمِ ؟
أنا في شقاءٍ في الحياةِ وغربةٍ
في قبضةِ القدرِ الذي لم يرحمِ
أنا لمْ أعشْ يوماً خليَّ البالِ فيها
وادعاً بلْ في وبالٍ مُبرمِ
لو كنتُ مُختارَ الحياةِ برغبةٍ
لقطعتُ فيها إصبعَ المتندِّمِ
فأبي جنى وأنا أبوءُ بذنبهِ
مُتحمّلاً أوزارَهُ كالمُغرمِ
هذا التناسلُ في الأنامِ خطيئةٌ
طوبى لِمَنْ في نسلِهِ لم يجرُمِ
قد جئتُ قسراً للحياةِ ومُكرهاً
ما كنهُها ؟ ما سرُّها ؟ لم أعلمِ !!!
كم مُدّعٍ عَرَفَ الحياةَ وكنهَها
لكنّها بقيتْ كلغزٍ مبهمِ
أنا لمْ أجدْ فيها السعادةَ والمُنى
لكنْ وجدتُ بها تعاسةَ مُعدمِ
أنّى أرى حسنَ الحياةِ وزهوها
وتريعني في وجهها المتجهّمِ ؟!!!
رسمت على وجهي الهمومُ ظلالَها
وخبتْ به إشراقةُ المتبسِّمِ
أم كيفُ أبدو باسماً لا واجماً
وأنا أعيشُ بخافقٍ متحطّمِ
أنا لا أطيقُ الظلمَ حتّى مِنْ أبي
لكنْ وإنْ جارَ الورى لمْ أظلمِ
بل لا أطيقُ القيدَ لو من عسجدٍ
يلتفُّ كالصلِّ الخبيثِ بمعصمي
أيَبيتُ ريانَ الفؤادِ مواربٌ
في حضنِ غانيةٍ وأطيبِ مطعمِ ؟!!!
وأَبِيتُ ليلي في التفكّرِ غارقاً
في لجةٍ في بحرِ همٍّ خَضْرمِ
وأظلُّ مشبوبَ الفؤادِ مِنَ الأسى
متململاً مثلَ اللديغِ بأرقمِ { 1}
أتفيضُ بالماءِ القراحِ جداولٌ
للشاربينَ وبينها قلبي ظمي؟!!!
وطغاتُها تُسقى رحيقَ زهورِها
لكنّني أسقى كؤوسَ العلقمِ
لي قسمةٌ ضيزى قضّتْ أيّامُها
ورَنَتْ مقطّبةً بوجهٍ أسحمِ
{1} الارقم ذكر الحيات وأخبثها
|