بسبب هجرة الكثير من أبناء الجاليات الإسلامية إلى مختلف دول العالم هرباً من الحكم الدكتاتوري والنظم التعسفية في بلادهم، خاصة من الشيعة العراقيين في ظلّ النظام البائد، فقد تزايد أعدادهم في تلك الدول ومنها المملكة البريطانية.. الأمر الذي اضطرهم إلى ضرورة التعايش وإثبات وجودهم، ومن ثم الاعتراف بهم كمسلمين من الشيعة الإمامية، لهم حق ممارسة مختلف عباداتهم وطقوسهم، فنشأت لذلك عدة مؤسسات شيعية في بريطانيا للدفاع عن حقوق المسلمين الشيعة، في ظلّ مجتمعات غربية تؤمن بنظام المؤسسات... وكنتيجة طبيعية لذلك الحراك الفكري والثقافي لهم، فقد تزايدت المراكز والحسينيات هناك، ومن بين هذه المؤسسات (مؤسسة دار الإسلام) في مانشستر، وتنشط في إقامة صلاة الجمعة، وتنظيم برامج شبابية، وملتقى إسلامي اجتماعي كل أسبوع، وإحياء ذكر أهل البيت (عليه السلام)، ونشر أفكارهم، كذلك إحياء المناسبات الدينية، وإحياء ليالي القدر وليالي رمضان.
وأيضا (مركز أهل البيت عليهم السلام الثقافي) ونشاطاته تتضمن إقامة المحاضرات الدينية باللغات العربية والانجليزية والفارسية، وإقامة مواليد ووفيات أهل البيت (عليهم السلام)، وإحياء المناسبات والشعائر الدينية، والاهتمام بشؤون الشيعة... إلى غيرها من الأمور التي تعكس الوجه الحقيقي لأتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، والتي تحدث عنها الأستاذ (جمال) وهو مغترب عراقي يعيش في العاصمة البريطانية لندن... ولغرض الوقوف على الواقع الذي يعيشه الشيعة هناك، كان لنا هذا اللقاء معه ليحدثنا عن نشاطات الجالية الشيعية في لندن من حيث ممارسة الشعائر الدينية وأيام عاشوراء... وقد تضمن حديثه عدة محاور...
صدى الروضتين: مدى انتشار المذهب الشيعي في لندن وباقي مدن بريطانيا؟
إن المذهب الشيعي من المذاهب التي لها صدى في مدن بريطانيا خاصة في العاصمة لندن. كما أن هناك العديد من المؤسسات الشيعية التي تعكس فكر أهل البيت (ع)، وتعكس أيضاً مدى التواصل بين المذاهب الإسلامية والمذهب الشيعي، وأيضاً مع باقي الديانات، حيث إن هناك بعض معتنقي الديانة المسيحية هم متعاطفون مع القضية الحسينية؛ كونها تنادي بالحرية والإنسانية واحترام الآخر، ونبذ الاستبداد والعنصرية والدكتاتورية.. وهذا الفكر نستمده من أهل بيت النبوة عليهم السلام.
صدى الروضتين: هل هناك أمثلة حية على هذا التعاطف؟
نعم، فعندما عُرض الفلم المسيء بحق الرسول الأكرم (صلى اللهُ عليه وآله) قابلنا هذه الإساءة بردة فعل تعلمناها من أئمتنا (عليهم السلام)، وهي مقابلة الإساءة بالإحسان، حيث قام بعض الشباب الشيعي بتقديم ما يقارب (1000) وردة للشباب البريطانيين، وكل واحدة منها تحمل حكمة وقول لرسول الله (صلى اللهُ عليه وآله)، وهذا الرد من قبل هؤلاء الشباب أدهش المواطنين البريطانيين، وعكس مدى حكمة وجمالية الفكر الشيعي الذي هو من فكر آل بيت الرسول (صلى اللهُ عليه وآله). وهناك الكثير من هذه الثقافات والسلوكيات الرصينة التي تتكلم عنها هذه المؤسسات الموجودة في لندن وباقي المدن: كإنشاء مدارس إسلامية، حيث تقوم بتدريس المناهج الإسلامية، واحتضان الطلبة من المسلمين العرب وغيرهم.
صدى الروضتين: هل هناك تعارض بين التشريعات التي تتبعها الحكومة البريطانية والتشريعات الإسلامية؟
التشريعات التي تطبق في الحكومة البريطانية جزء كبير منها من الشريعة الإسلامية، حيث إنهم يسندون النظام الاقتصادي الى كتاب (اقتصادنا) وهو من كتب الشيعة, كما أنهم يعتمدون مسألة الخمس والزكاة لكن بمسميات أُخَر... على سبيل المثال: هناك موضوع معمول به في بريطانيا يسمى بـ VAT)) وهو عبارة عن استقطاع مبلغ من الواردات العائدة للدولة بنسبة (17%), وعندما جاءت الحكومة الجديدة قامت برفع النسبة إلى (20%) يدفعها كل مواطن عند شرائه أيّ شيء، كأن يكون جهازاً كهربائياً أو نقالاً أو أي شيء، فعليه دفع هذه النسبة من قيمة السلعة، وتعود هذه النسبة الى خزينة الحكومة، ومن ثمَّ تُوزّع على المحتاجين عن طريق الضمان الاجتماعي. كما قاموا بتقليل نسبة الضرائب عن المواطن الفقير، وتم زيادة النسبة على الأغنياء، لكن هذه النسبة المدفوعة من قبل المواطن لا تشمل المواد المستهلكة: كالمأكولات والمشروبات والماء والعصائر، بل تشمل المواد غير الضرورية: كالمشروبات الغازية.
كما توجد لديهم ضريبة أخرى تسمى بالـ(TAX) وهي تدفع لكبار السن الذين لا يستطيعون العمل والمحتاجين منهم؛ حيث تقوم الحكومة بصرف هذه المبالغ للمتقاعدين منهم، وهذه المبالغ تُدفع أيضاً للاجئين في بريطانيا.
صدى الروضتين: هل يمكن أن نقول أن ثقافة أهل البيت (عليهم السلام) منتشرة في بريطانيا؟
هناك جهود مثمرة من قبل أتباع مذهب أهل البيت (عليهم السلام) لنشر فكر وثقافة هذه المدرسة العظيمة، من خلال الندوات والمؤتمرات التوعوية التي يحضرها الكثير من الجاليات الإسلامية وغيرها، وحتى من البريطانيين الذين يتعاطفون مع الشيعة، خاصة وأن الحكومة تفسح المجال لكثير من الفعاليات والطقوس الشيعية؛ لأنها وجدت - ومع مرور الزمن - أنها لا تشكل خطراً عليهم، فهم لا يعدونه مذهباً متطرفاً، بل بالعكس هناك الكثير من التواصل والاندماج بين المسلمين الشيعة والمجتمع البريطاني.
صدى الروضتين: وماذا عن صدى القضية الحسينية في المجتمع الغربي؟
القضية الحسينية بدأت بالاتساع التدريجي مع مناخ الحرية والانفتاح، فالكثير من العراقيين لم ينسوا طقوسهم وشعائرهم، بل بالعكس فهناك تزايد مستمر في كل عام نحو إقامتها والحث عليها؛ لأنها تُبقي الفرد المسلم متواصلاً مع دينه وعقائده، وفيها أيضاً الامتلاء الفكري والوجداني الذي نفتقده في المجتمعات الغربية التي يغلب عليها الطابع المادي المعقد... ومع تطور وتزايد وسائل الإعلام، فإن القضية الحسينية بدأت بالانتشار الواسع عاماً بعد آخر.
|