• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /ح3 / .
                          • الكاتب : رائد عبد الحسين السوداني .

قراءة متأنية في كتاب نظرية فارسية التشيع لصالح الطائي /ح3 /

 مهداة إلى الكاتب صائب خليل مع التحايا العطرة:

قبل أن أدخل في صلب الموضوع أود أن أقول للأخ صائب خليل إنك قد تناولت الحقبة التاريخية في حلقتك الأخيرة رقم (5)رغم قولك في تعليقك الكريم على الحلقة الأولى من قرائتي هذه لكتاب نظرية فارسية التشيع بأنك تعول على المستقبل أكثر من الحقائق التاريخية  ،وها أنت تتناول قضايا خلافية من صلب التاريخ ،مما يدل أن لا فرار للباحث إلا أن يعود لهذه الحقائق أو القضايا (سمها ما شئت ) ذلك لأننا نعيش فيها ومعها منذ حدوثها ،على إننا لم نستطع أن نضمن مستقبلا زاهراً دون أن نفهم الماضي ،وأؤكد على مفردة نفهم ولا نعيش أو نكرر الأقوال التي تشنج العقول والساحات ونتحول بالتالي إلى ببغاوات تعيد ما حدث قبل عشرات العقود من السنين .
أعود إلى ما طرحه الباحث الطائي في مؤلفه حول نظرية فارسية التشيع وأكمل معه المراحل التي أدت إلى بناء هذه النظرية التي ذكرها ونصل إلى مرحلة في غاية الأهمية تحولت فيما بعد إلى إشارة مذهبية وتهمة سياسية عانى منها العراق الكثير وذهبت جراءها وزهقت المئات بل الآلاف من الأرواح في حقبة عبد الكريم قاسم الذي حاول أن يبني مؤسسات دولة قائمة على المواطنة لا على الطائفية والمذهبية التي جاءت بها بريطانيا إلى العراق عندما احتلته،فكانت التهمة جاهزة ، وأعني بها تهمة الشعوبية وقد روجت لها وقادتها الحركات التي تدعي الإيمان بالفكر القومي العربي يتقدمها حزب البعث العربي الاشتراكي .
يقول أستاذنا الطائي في صفحة 20 " ولا ننسى أن هناك مرحلة أخرى كان للفرس فيها دورا مؤثرا في الأحداث السياسية لم ينسه لهم العرب امتد أثره ليصل إلى المشاركة الفعلية في صنع الحدث ،عندما قام (أبو مسلم الخراساني ) بقيادة جانب من حركة التغيير التي أسقطت الحكم الأموي الذي يطلق عليه البعض (الحكم العربي ) فأجج ذلك روح العداء وأذكاها ولا سيما وإن لها في النفوس أصولا .ومن هذا المنطلق العنصري انطلقت الدعوات التي تقول (إن القضاء على الحكم الأموي كان طموحا شعوبيا) ومثل هذه الأحكام لا تبنى عادة وفق حقائق التاريخ بقدر ما يؤتى بها لتشويش ذهنية المتلقي اعتماداً على الخلط التاريخي " وعلى هذا الأساس الذي ينطلق منه الباحث الطائي يطلق عدة تساؤلات مهمة للغاية في ص21 منها بماذا نصنف ثورة الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام ،سنة 40هجرية ،ضد حكم الأمويين بأنها شعوبية فهل يعقل حسب الباحث أن تصنف بهذا الوصف ؟ والسؤال الآخر الأكثر أهمية هو هل " نتهم ثورة أخيه الإمام الحسين عليه السلام ضدهم عام 61هجرية ،بأنها شعوبية " وسؤال آخر يقول هل "نتهم ثورة عبد الله بن الزبير ومصعب بن الزبير على الحكم الأموي إنها شعوبية " هذه أسئلة وغيرها عن ثورات قام بها وفجرها العلويون وأنصارهم ضد الحكمين الأموي والعباسي بدءا من ثورة المختار الثقفي سنة 66هجرية مروراً بثورة إبراهيم بن عبد الله بن الحسن ،ومحمد بن عبد الله ذو النفس الزكية وانتهاءاً بثورة يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي عام 250 وعشرات الثورات الأخرى  وضعها الباحث أمام ناظرينا ليؤسس لدحضه لنظرية فارسية التشيع، وعن الشعوبية ننقل رأياً للأستاذ رشيد الخيون وهو يرثي الدكتور عبد العزيز الدوري في موقع كتّاب العراق فقد قال الخيون "ربما أغضب الدوري في كتابه (الجذور التاريخية للشعوبية) باحثين ومؤرخين اختلفوا معه في التوجه الفكري ،لما في العبارة من استعلاء على الشعوب الأخرى ،ومؤرخنا لم يصرف كثيرا من الوقت في الكتابة عن هذه الظاهرة إلا ما تطلبته الخلافات الفكرية وقتذاك ،مابين 1958- 1963 . وإذ تحدث عن الشعوبية كحركة موجهة ضد القومية العربية ،حسب ما قدمه في  كتابه الخاص ،لم يغفل الاستبداد الأموي الذي دفع بالشعوب الأخرى أن تواجه العرب وتبحث عن مثالبهم" وينقل الأستاذ رشيد الخيون عن الدكتور الدوري "يُلاحظ إن النظرة القبلية كانت العامل الأول فيما يبدو من تمييز أو تعال في النظر لغير العرب وفي مقاومة تسجيلهم في الديوان وإعطائهم الأعطيات بخلاف النظرة الإسلامية" وأستطيع القول هنا مرة أخرى إن الشعوبية عرقية لو صح التعبير حيث لا وجود للفكر القومي آنذاك وانتهت مذهبية طائفية خُص بها الشيعة دون غيرهم ، وهنا نصل مع الطائي إلى فترة الولادة والنشأة والترعرع لو صح التعبير والتبني الفكري والعقائدي وهو بعد أن يؤكد إن التاريخ الحقيقي لولادة نظرية فارسية التشيع هو بإعلان الدولة الصفوية المذهب الشيعي مذهبا رسميا لبلاد فارس في القرن العاشر الهجري وإن النظرية قد ترسخت بهذا الإعلان وهذا الترسيخ جاء بمرحلتين على رأي استاذنا الطائي الأول رسمي قسري والثاني إيمان حقيقي آمن به الناس إيمانا حقيقيا مستندا على قوة الدولة الصفوية ،كما أعطت للشيعة (الأقلية ) في العالم الإسلامي مكانة كبيرة وقوة عظمى وكذلك يقول الطائي في صفحة 22سيكون "لها شأن عظيم يحمي جانبها ،ويزيد منعتها وعزتها ،مقابل الفشل الكبير والحقيقي لأطروحات الآخرين – على أقل تقدير – في ساحة فارس مما يعني استحالة محاربة هذا المذهب بالسلاح ولم يبق من مجال إلا القتال باللسان .
فكانت هذه النظرية التي تملك كل تلك الجذور العميقة الممتدة من بداية التاريخ الإسلامي وحتى القرن العاشر الهجري هي الحل الأمثل والسلاح الأنجع في هذه الحرب العقائدية السياسية النفسية الطائفية التي أُلبست ثوبا دينيا لكي تتساوق مع التوجه العام للمجتمع حالها حال أي صراع إنساني آخر يُستعار فيه الدين والجهد الديني ليدعم التوجهات السياسية إذا كان هذا الصراع دائراً في مجتمع ديني " أو للدين فيه تأثير كبير ،وعن هذا الإدعاء أو هذه النظرية كما يدعوها الأستاذ الطائي يقول الأستاذ رشيد الخيون في المقال آنف الذكر " وإذ جرت محاولات إعلامية لتعميم مصطلح الشعوبية وتسويقه من جديد أوان الحرب العراقية الإيرانية فإن الدوري (يقصد عبد العزيز الدوري) ظل بمعزل عن هذه الميول ،بل وحاول أن يرد على من جعل شيعة العراق غرباء عن قوميتهم العربية ووطنهم العراق " وينقل الخيون عن الدوري رأيا هو "لكن التشيع لم يميز إيران من العرب ،فالتشيع بدأ عربيا ،ووجد مركزه الأول في العراق" وهنا يمكن القول إن السياسة وبكل أدوارها لم تستطع الفكاك من الصراع الفكري والتنافس والخصام المذهبي ،بل على العكس إن السياسة تبنت هذه الصراعات وكذلك تبنت مصطلحات من قبيل الشعوبية .إذاً بدأت النظرية طائفية-سياسية وبالتزامن مع بعضهما لوجود أمة كبيرة تبنت التشيع فلو ظلت كما أسماها الأقلية الشيعية على حالها فبطبيعة الحال لم تلصق بها هذه النظرية .وإلى لقاء في حلقة أخرى مع الأستاذ صالح الطائي .



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15711
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 04 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13