ومما تقدم من ابتلاءات يوسف (عليه السلام) يمكن ان نستفيد الامور الاتية:
1. ان المجتمع البشري كان مبتلى على الصعيدين الفكري والمادي، فكريا كان مبتلى بالصراع بين التوحيد والشرك، وماديا كان مبتلى بجور الحكام وظلم الرعية لبعضها ومختلف انواع المصاعب الحياتية.
2. ان مجتمع التوحيد منذ عصر ابراهيم (عليه السلام) والحقب الزمنية اللاحقة اصبحت له منعة وقوة عجزت معها معابد الاوثان وسلطات الجور من القضاء عليه واحد الاسباب يعود الى عمق الارتباط بين الشعوب وال ابراهيم (عليه السلام).
3. ان ساحة التوحيد كانت منتشرة في البلاد ذات الطابع الحضاري انذاك كبابل وكنعان، ولها حضور بسيط في بلاد الفراعنة. مضافا الى جزيرة العرب التي لم تكن قد بلغت مستوا حضاريا معتدا به في تلك الحقبة الزمنية.
4. ان الله تعالى شاء ان يمهد لنشر التوحيد في بلاد مصر، فارسل اليهم يوسف (عليه السلام) ليترعرع بينهم منذ نعومة اظفاره وبدلا من ان تتمكن ثقافة الشرك والثقافة المصرية من التاثير فيه اصبح هو الشخصية المؤثرة في المجتمع وبلاط عزيز مصر بما وهبه الله تعالى من العلوم، ثم ليكون عنوانا بارزا للمجتمع المصري على مختلف طبقاته الاجتماعية لما شاع عنه من العفة والاستقامة والعلم خاصة بعد ان ما رافق اسباب واحداث السجن، ومن ثم تفسيررؤيا ملك مصر، وتوجها بادارة الاقتصاد المصري ايام السنوات العجاف، فاصبح رمزا كبيرا في عالم الادارة والاقتصاد وهكذا اصبح ينظر الى يوسف (عليه السلام) بانه الاول في القيم الاخلاقية السامية والاول في العلم والاول في الادارة فاصبح الوزير الاول لملك مصر، والراعي الاول لنشر ديانة التوحيد التي اصبحت الدين الرسمي للدولة وهذا يعني ان التشريعات والقوانين المصرية في عهد يوسف (عليه السلام) كانت قوانين الشريعة الابراهيمية.
5. ان حديث يوسف (عليه السلام) واخوته يكشف عن ان الانسان لن ينال الى ما كتبه الله تعالى له، وان السير في نهج طاعة الله هو الكفيل بتحقيق سعادة الفرد والمجتمع ووصول الفرد الى امانيه وطموحاته، فان اخوة يوسف (عليه السلام) سعوا للتقرب الى ابيهم بابعاد يوسف (عليه السلام) عنه فنتج عن ذلك انهم اصبحوا عنه مبعدين وسعوا لاذلال يوسف (عليه السلام) ببيعه كعبد رقيق فمن الله تعالى عليه باعظم مما كانوا يتصورون، اذ حسدوه على قربه من ابيه فازداد ابوه حبا به، وسعوا لابعاده عن رئاسة عائلة يعقوب (عليه السلام) في المستقبل التي لم يكن يدور في خلدهم شيئ اوسع منها بسبب واقعهم الاجتماعي، فوهبه الله ادارة ملك مصر فاصبح الحاكم المطلق فيها، وهي من اعظم امبراطوريات ذلك الزمان، واما يوسف العفيف العالم العبد المخلص من الله فان الله تعالى اجتباه وجمع له الملك والنبوة وهنا يظهر دور النجاح في الاختبار في بعديه المادي والمعنوي، كما تظهر اثار الاخفاق في الاختبار السلبية على الفرد والامة والمجتمع البشري، فلو تمكن اخوة يوسف (عليه السلام) من قتله لما تحقق لبني اسرائيل بعد عقود من الزمن ان يتحولوا من مجتمع بدوي الى مجتمع متحضر، ولم يكتب لهم ان يحملوا رسالة التوحيد في قبال امم الشرك التي حكمت حواضر الدنيا انذاك، ولم يكتب للوثنية ان يهتز عرشها على ارض مصر في تلك الحقبة الزمنية.
|