• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النهضة الحسينية والتكليف الالهي .
                          • الكاتب : كريم عزيز عبد السيد .

النهضة الحسينية والتكليف الالهي

  لم تكن ثورة الإمام الحسين (ع) ثورة ضد الظلم والاستعباد والقهر وتغيير واقع فاسد، وتصحيح مسيرة عقائدية، واصلاح ما أفسده الآخرون فقط، بل كانت ثورة تكليف إلهي فرضت بالإرادة الإلهية، ولو لم تكن هذه الثورة الجبارة لانتهى الاسلام وضاع وتم إجهاضه وقبره، مثلما حاول بنو أمية وشرذمة المنافقين والقتلة مثل مروان بن الحكم، وبسر بن أرطأة، وحصين بن نمير على الثأر لأجدادهم المشركين ودعاة الجاهلية، حيث بذلوا كل ما في وسعهم لطمس معالم الدين، وراحوا يستنجدون بالوضاعين والمردة لتزييف الحقائق، واضفاء الشرعية على حكمهم، وتبعهم عشرات الصحابة والتابعين مثل أبي هريرة، وعمرو بن العاص وسعيد بن العاص وآخرين.
  وحين نقول: إنها ثورة تكليف، لأن اللهَ سبحانه وتعالى قد بلغ الرسول (ص) بها كما جاء على لسان ام سلمة بأن الرسول الكريم قد قبّل الحسن (ع) في فمه، وقبّل الحسين (ع) في نحره، فبكى الحسين وشكى ذلك الى امه الزهراء سلام الله عليها وكان صغيرا، فأخبرت النبي الأكرم بذلك، فقال النبي (ص): إن ولدي الحسن يقتل بالسم، وإن ولدي الحسين يقتل في نحره...
  وفي خبر آخر؛ أن الملك جبرائيل (ع) جاء بتراب من كربلاء واعطاه الى النبي (ص) وقال له: اذا كان يوم كربلاء ويستشهد الحسين (ع) يصبح التراب دماً عبيطاً.. وأودعه النبي (ص) الى ام سلمة وقال لها: اذا كان يوم كربلاء واصبح هذا التراب احمر، فأعلمي أن ولدي الحسين (ع) قتلته الفئة الباغية.
  واذا عدنا الى أسباب نهضة الثورة الحسينية، نجدها قد اجتمعت خيوطها ومعالمها، عندما أصر معاوية على أخذ البيعة ليزيد، فبعد استشهاد أمير المؤمنين (ع) انفرد الأمويون في الساحة السياسية، وراح معاوية يكيل الاتهامات والتهديدات الى خصومه من الصحابة والتابعين، ويدبر الاغتيالات والدسائس لمعارضيه خاصة أهل بيت النبوة (ع) ومعدن الرسالة، وبكل صلف وغرور لم يشهد لهما التاريخ من قبل حتى أمر بسب الامام علي (ع) على منابر المسلمين وفي خطب صلاة الجمعة لسبعين سنة أو أكثر، حتى أصبحت عندهم سُنّة، وانبرى لهما دعاة التضليل ممن أسموا أنفسهم أئمة الجوامع، وتابعي الصحابة، وبعض قضاة التضليل والتحريف مثل (ابن شريح) قاضي الكوفة ورواة الحديث ممن باعوا دينهم بدنياهم وتسابقوا على الدرهم والدينار، وانزوى بعض الصحابة المقربين مثل سعد بن أبي وقاص وغيره في صوامع دورهم قد داروا ظهورهم عن الحق والعدل باسم الحياد والابتعاد عن السياسة.
   وقد وجد بعض المتفيهقين مخرجا لعلهم يبرئُون ساحة معاوية ويزيد فقالوا: إن من يشهد الشهادتين لا ينسب الى الكفر والفسق والزندقة، حتى ولو قاتل بيت النبوة او احرق الكعبة او استباح حرمة المدينة لثلاثة أيام في وقعة الحرة، ولذا قال ابن تيمية: (ان سيدنا امير المؤمنين يزيد (واقول امير الفاسقين) قد قتل سيدنا الامام الحسين) ولا أدري من أطلق هذه التسمية غير ابن تيمية والمنافقين، في حين كثير من علماء إخوتنا السنة ومنهم سبط بن الجوزية والقندوزي قالا عنه: إنه كافر يحل ما حرم الله سبحانه وتعالى ويحرم ما أحل الله تعالى، كما في ينابيع المودة للقندوزي وتذكرة الخواص لسبط بن الجوزية، ورغم أن أهل البيت هم امتداد طبيعي للنبوة؛ لأنهم هم الذين حملوا أعباء التكليف الإلهي لفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم منبع الفكر الإلهي، ومستودع علم الله والسر الأعظم ومعترف العلم والمعرفة في رسول الله (ص) بحديث متواتر، رواه كلا الفريقين: (أنا مدينة العلم وعلي بابها..). وقال (ص): (علي مع الحق والحق مع علي يدور حيثما دار) وأخرج الامام أحمد بن حنبل في المسند عن النبي (ص) قال: (من آذى عليا بعث يوم القيامة يهوديا أو نصرانيا) وقال (ص): (من سبَّ عليا فقد سبني ومن سبني فقد سب الله) رواه أحمد بن حنبل في مسنده، والنسّائي في الخصائص، والثعلبي والفخر الرازي في تفسيريهما.
ومن دلائل كفر يزيد واستهتاره قصائده ومقطوعاته الشعرية الكثيرة في ديوانه في مناسبات عديدة ومنها قوله:
شميسة كرم برجها معردنها            مشرقها الساقي ومغربها فمي
فان حرمت يوما على دين أحمد    فخذها على دين المسيح بن مريم
وقوله:
علية هاتي ناولي وترنمي             حديثك إني لا أحب التناجيا
فان الذي حدثت عن يوم بعثنا    أحاديث زور تترك القلب ساهيا
وقوله:
لما بدت تلك الرؤوس وأشرقت    تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت: نح أو لا تنح          فلقد قضيت من النبي ديوني
وأي دين أعظم من قتل الامام الحسين (ع).
لقد عاث الأمويون فسادا في المجتمع، وخلطوا الاوراق حين استهتروا بالدين والمسلمين، فغيّروا سنة النبي (ص) وأحلوا ما حرم الله من قتل النفس المؤمنة، وشرب الخمرة والرقص والغناء والاستحواذ على المال العام وشيوع العصبية القبلية واشاعة الفرقة بين المسلمين وتمزيق صفوفهم، ووضع الأحاديث الكاذبة لخدمة أغراضهم وأطماعهم. وقد ذكر كلا الفريقين ورووه في كتبهم، ومن العلماء الذين شجبوا أفعال بني أمية وعدوا معاوية ويزيد من الكفار والفاسقين، أذكر المسعودي في كتابه (مروج الذهب. ج2) قال (لقد كانت سيرة يزيد كسيرة فرعون، بل كان فرعون أقل ظلما من يزيد) وقال العلامة سعد الدين التفتازاني: (لعنة الله عليه (أي يزيد) وعلى انصاره واعوانه) ذكر ذلك العلامة السمهودي في كتاب (جواهر العقدين) وقال ايضا: (اتفقت العلماء على جواز لعن من قتل الحسين (ع) أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به).
  إن هذه الثورة العظيمة والمباركة قد أطاحت وإلى الأبد بعرش الدولة الأموية الفاسقة، والتي استهترت بالدين والفضيلة والاخلاق، فتداعت أركانها بثورات توالت بعد استشهاد سيد الشهداء، هزت مضاجع قردة آل سفيان ومحقتهم الى الابد، مستنيرة بالاضاءات والعطاءات الفياضة، ونهلت من منابع فكر ذلك الطود الشامخ والأسد الهزير، والمنهل العذب الذي أسبغ بعطائه على أمة محمد (ص) بنوره وفكره الذي بقي على مدى الدهر ينبوعا يبعث الأمل للمستضعفين ويحفز الهمة في قلوب المؤمنين، ويروي ظمأ الثائرين في سبيل العقيدة والمبادئ السامية.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156562
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 07
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13