تتكونُ عند المبدعين خصوصيات تدوين تدل على إمكانيات التخصص في المنحى المنجز من حيث الفكر والعاطفة والتصور.. ومساحة الباحث السيد سامي البدري في بحثة الموسوم (الحسين عليه السلام وارث الأنبياء رؤيا جديدة) وهو من أحد بحوث مهرجان ربيع الشهادة العالمي الخامس الذي أقامته الأمانتان العامتان للعتبتين الحسينية والعباسية المقدستين.. تأخذ هذه المساحة عمقها الجذري داخل قيم الموروث، ولا شك أن هناك عوامل خارجية تساهم في تطوير الانسان كالحياة نفسها، لتصل الى عامل آخر يكون أكثر تـأثيرا من الحياة أحياناً، وهو عامل الوراثة ذروة الفكر الانساني الساعي الى تبني الحقائق، سيل من التصورات المترابطة بين عالمين...
وبهذا المفهوم يدخل السيد الباحث الى زيارة وارث ليقف امام مفهوم الوراثة: ياوارث آدم نبي الله، وهكذا نوح وإبراهيم ومجموعة من الانبياء عليهم أفضل الصلوات... ومن المؤكد أن يكون الناتج حاصلاً فكريا لا يمكن تقييمة إلا بالدخول الى العمق المؤثر لجمع المميزات لكل شخصية.
أرى أن الحداثوية البحثية تنبثق من مستويات المفاهيم الاجرائية، وهذه الاجراءات تفيض بالاندهاشية لكونها وليدة رؤيا جديدة، (إنتباهة) تؤطر الفهم، لترسم ملامح منظومة إنتقائية تتفاعل مع المعروض الموروثي... فعلينا على سبيل المثال أن نبحث في ميزة آدم عليه السلام؛ ثمة استنتاجية تدخل في حيثيات الملمح لآدم عليه السلام أي أقصد خصوصية كونه أباً لتسعة حجج إلهية، مع العلم أن لبعض الأنبياء أكثر من هذا العدد، لكن يبقى الإشتغال المعني داخل الرقم تسعة، والمهم أن شخصية التاسع شخصية معمرة؛ فالنبي نوح عليه السلام بلغ من العمر 2300سنة نجد هنا مساحة التماثل واضحة؛ فالحسين عليه السلام أب لتسعة حجج، والتاسع معمر هو المهدي المنتظر (عجّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف)، فما زلنا نعيش الى الآن مراحل متقدمة من غيبته، وعمره يزيد على احد عشر قرنا تقريباً، فانبثق ما يتجسد في محاور التقارب التفاعلي، أن سماحة السيد البدري تحرك على الأطر الزمانية، وعلى التماثلات العمرية...
تحرك ثانية على ثيمات المكان، ليصل الى آليات التماثل الأمثل أو ربما ليصل ذرى التكوين المتعالق؛ فالتحرك الرسالي في الجوهر المكاني، ويعني الحدود من هضبة (النجف – كربلاء).
الشمال الشرقي كربلاء، والجنوب الشرقي النجف، والغربي إلتقاء طاري النجف وطار كربلاء اللذَيْن يمثلان سلسلة جبال بابل في الكتب الجغرافية القديمة... ومثل هذا الملمح يعد من الملامح الخطرة التي تكمن صعوبتها في المحافظة على الأسلوب المؤثر، لذلك يدخل في تفصيلية توضح جملة من المسارات ليشير الى جغرافية (بطليموس) حيث كان هذا الرجل معاصراً لما قبل الميلاد وبعده، فقدم لنا أقدم جغرافيا في العالم، ورد فيها ان هناك جبال بابل، وبما أنه ليس في بابل جبال، فهو يعني طار كربلاء وطار النجف، بأمتداد 110كيلو متر جبال، لكنها واطئة...
ومن يتأمل في حيثيات النص الجغرافي سيجد أن المقصود الهضبة غرباً، ويحس أن الجرف العالي هي السلسلة الصخرية المتمزقة جرف الفرات الأقدم حيث تمزقت قبل مليوني سنة، وهكذا نجد أن الموضوع خصيب التربة، أستنتاجي واعي،يجيد الانتقاء الموثر من العبارات التي تخدم تناوله البحثي بشكل مبدع؛ فالهضبة في زمن آدم كانت بعد الطوفان تعد جنة، وتلك الجنة فعلاً انطلقت بعد الطوفان تراث نوح المعمر شيخ الأنبياء، وارث تراث من سبقه... هذه البقعة التي أنشئت فيها الجنة هي المقصودة الآن بمسرح الحركة للحسين عليه السلم وأوصيائه التسعة.
نجد أن مثل هذه المقاربات لوحدها كونت مادة غنية سلطت الاضواء على موضوع لم يطرق تماما، أو لنقل لم يركز عليه من قبل معظم الباحثين، فلذلك يعد فعلا رؤيا جديدة تحسب للسيد الباحث السيد سامي البدري... حضور نصي فاعل للموروث بروح حية فاعلة نتائج نهضة الامام الحسين والأئمة التسعة عليهم السلام تفاعلت الى اليوم، فمن الذي أبقاها بهذه الفاعلية الى اليوم؟ إمامة لن تموت... بقعة كونت المرتكز الواضح الى اليوم، لينطلق منها الامام المهدي (عجَّلَ اللهُ تعالى فرجَه الشريف).
|