• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الكتابة الجديدة.. وموت النخبة ح1 .
                          • الكاتب : مناف عبد الجبار .

الكتابة الجديدة.. وموت النخبة ح1

ما من شك في أن الثورة الهائلة التي شهدها مجال تقنية المعلومات، وتقنيات الاتصال، اقتضت ظهور قيم جديدة في مجالات تبادل المعلومات وتداولها؛ وهي تؤكد، من جهتها، تحقق ديمقراطية الوصول إلى المعلومات، على مستوى الإعلام، وإنتاجها، وإعادة إنتاجها. فلم تعد مسألة التصرف بالمعلومات ملتصقة بالنخبة، بل إن الجميع يتصرفون بها، وهم يرسلونها ويستقبلونها، أو يستهلكونها ويعيدون تصديرها، بالمقدار نفسه من فرص اليسر والسهولة. ويمكن، في هذا السياق المنذر بتدفق معلوماتي ومعرفي واتصالي هائل، متابعة مدونات سياسية وتكنولوجية واجتماعيّة وسياحية وتعليمية وترفيهية وموسيقية وفلسفية وصحية وأدبية ورياضية، ومدونات حول الأزياء والأفلام والسيارات والألعاب الإلكترونية، بالإضافة إلى المدوّنات المتخصصة في نشر الإعلانات. ويمكن أن تكون المدوّنات خاصة أو عامة، أو مرتبطة بالشركات، وذلك لتطوير مستوى أداء الموظفين عن طريق جعلهم يتبادلون الخبرات عبر الموقع الإلكتروني. وهناك مدوّنات خاصة بشركات للعلاقات العامة والتسويق، بل يوجد مواقع خاصة بصناعة المدونات نفسها. وقد تطوّرت الأدوات التي تسمح للأفراد بالتدوين، لدرجة أصبح فيها التدوين ممكنًا وسهلاً لأي شخص يريد ذلك، وأصبح بالإمكان التدوين مباشرة من متصفح الإنترنت. وهناك الملايين من المدونات الإلكترونية، ونظرًا لانتشار هذه الظاهرة فقد ظهرت محركات بحث خاصة لها مثل محرك (تكنوكراتي). ويكفي أن نعلم أن عدد المنتسبين إلى (فيس بوك) هم حوالى 175 مليون شخص مثلاً. 
إن نمو المعلومات أضحى، في منظومة مدركات الاتصال الجديدة، أفقيًّا، فهو لم يعد، كما السابق، يأتي فقط من الأعلى إلى الأسفل، بل إنه يتوالد ويتكاثر من الجوانب والأطراف. وهذا كله أحدث انقلابًا هائلاً في الصناعات الاتصالية نفسها، وفي وسائلها وتقاليدها، وبطبيعة الحال في لغتها. وبما أن الصحافة الإلكترونية هي إحدى الصناعات الاتصالية الجديدة، فهي تنسف، كما نلاحظ، كل ما ألفناه في الوسائل الصحفية التقليدية، شكلاً وأداءً. فمن حيث الشكل هي ليست ورقية بطبيعة الحال، وهي تقدم طرقًا مختلفة في عرض المعلومات، وهي تدفع نحو المستهلك أدوات مختلفة للتصفح.
  أما من حيث المضمون فهي أيضًا، على خلاف الصحافة التقليدية، في نمو متواصل في كل لحظة، فالتغطية الخبرية يمكن أن تتم تغذيتها بالمستجدات دون توقف، كما أن الخبر نفسه أضحى عرضة للموت في أي لحظة بسبب المستجدات ذاتها. أمّا السرعة في هذا كله فقد قفزت فوق كل حواجز اللغة، وفوق كل الممنوعات الثقافية، وقد عرفت تلك الحواجز والممنوعات، فيما سبق، بالصرامة والتدقيق والحدة، والمتطلبات الشروطية المتعلقة بما يسمّى بالمهنية أو الحرفية، ممّا كان له أبلغ الصلة بالضوابط والمحددات التي تميز المحترفين عن الهواة والدخلاء. وهذا هو ما يفسر الخوف الذي يسري داخل الغرف الإخبارية في الصحف العالمية الكبرى من أن الشبكة العنكبوتية، بتركيزها على المنافسة في سرعة النقل، قد تقوض من قيم الصحافة المطبوعة، التي تركز كثيرا على الدقة والأسلوب والمضمون. وبين نزعة التركيز على القيم الصحفية التقليدية، والاستجابة لفكرة وصول المعلومة إلى الناس سريعا وبدون تلكؤ، وفي وقت حدوث ما يحدث، ظلّ يرجح دائما الخيار الثاني. فكانت التضحيات ببعض القيم الصحفية تتصاعد باستمرار في مقابل أن تتجدد المعلومات في كل لحظة أو كل ثانية. لم يكن في حسبان أصحاب الإعلام الجديد التفريط فيما حبتهم التقنيات الجديدة من مميزات هي من صميم مهماتهم، ومنها إشراك الناس السريع في تفاصيل تطور الحدث ونموه (الحدث ينمو) أو إشراكهم في تبدد الحدث ونهايته (الحدث يموت أيضاً).
وكتب لاندمان في بيان نشرته (بابك إديتورز جورنال): بالطبع يزيد العمل السريع من احتمال الخطأ، وهذا بالتأكيد خطر يجب الاعتراف به، والتعامل معه بحرص. ولكن الحرص على الأسلوب واللغة ليس هو القيمة الوحيدة التي ينبغي الإذعان لها، ولو كان الوضع كذلك، لقمنا، منذ وقت طويل، بهجر الصحف اليومية والأسبوعية والمجلات، وتحولنا إلى جرائد الأكاديميين. السرعة أيضا لها قيمتها، فالسرعة تعني وصول المعلومة إلى المواطنين في الوقت الذي يريدونه وعندما يحتاجون إليها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=156323
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 06 / 02
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13