الذي يتذكر كتاب القراءة في المرحلة الابتدائية في اربعينيات القرن المنصرم، كان من مواضيعه حكاية شيقة موضوعها (الطبع والتطبع)، إذ كان قديما ملك مغرم بتربية الحيوانات من كلاب وقردة وسناجب ودجاج وقطط... يستعين بمدربين مهرة للاعتناء بها، واظهار مهاراتها وقدراتها الاستعراضية المكتسبة، كان الملك كثير الاحتفالات، ويدعو لذلك وجوه القوم من الندماء والشعراء والبهلوانيين والظرفاء، ففي كل ليلة تفرش السرادقات للمدعوين تتوسطهم صحون ما لذ وطاب من الفواكه والثمار، لإشباع نهم شعراء السلاطين وتزلفاتهم.
وبعد طول تفكير راودت الملك فكرة في أن يعرض على مدربي الحيوانات تدريب فصل القطط بإلباسها تيجانا تثبت على رؤوسها، ويحمل التاج شموعا متقدة، وتقف على كراسي مرتفعة، وعند اكتمال المدعوين وبدء الحفل يتوسطه الملك على كرسي مرتفع وثير يستعرض الحضور الذين يبدؤون بفعالياتهم من شعر وغناء وتمثيل وألعاب بهلوانية... يزين الحفل هذه الانارة المبتكرة من شموع تحملها القطط المدربة، وقد وقف ازاء كل قط مدربه الذي أمضى وقتا مضنيا في تدريبه فكان حفلا غاية بالغرابة، وقد اندهش الجميع بموقف القطط المنضبطة، وهي باداء غاية بالروعة والنجاح.. وياليت الأمور تسير على منوالها، ولكن للفئران حصتها من كسر الخبز وبقايا الطعام، فأطلت برؤوسها الصغيرة وبعضها وقف على قدميه والفئران ايضا مندهشة؛ اذ كيف تراها القطط وهي لا تتحرك.. شاهدت القطط هذا التحدي الصارخ من الفئران، فثارت لكرامتها وقفزت من فوق الكراسي، واختلط الحابل بالنابل، وأرادت بعض الفئران الاختباء تحت كرسي الملك، ولكن السباع من القطط هاجمتها؛ اذ اليوم لا يحميها ملك ولا سلطان.. اشتعلت النيران بالسرادق والتهمت الافرشة الثمينة، وهرب المدعوون يسابقون الريح والملك باثرهم، يستنجد بهم لإطفاء النار التي التهمت سراويله.. ولكن النجاة غنيمة فلا ملك ولا حاشيته تنجيهم... حقيقة علق احد السامعين لهذه الحكاية، وقال: الظاهر ان البعض ممن يتقمصون ثياب أهل العقل والمعرفة وهم خواء منها يشبهون قطط الملك عند المدلهمات