تباينت الرؤى، وكل يدلو دلوه للخروج بفهم عام لآليات الحوار والصبغة المثالية للتعبير عن حيثيات ديننا، وكأن له في كل عصر؛ مخاضات على فترة من تقادم السنين والأعوام. ومنذ زمن الأئمة الأطهار عليهم السلام، والأمة تجرفها السلاطين وأمراء السوء بمنأى عن فنارات الهدى وجزر النجاة من التيه والغرق... وهذا الأمر ليس بحاجة للتساؤل عن ماهيّة الصراعات الفكرية والعقائدية للخروج من عنق الزجاجة...
فالطبيعة البشرية تميل إلى الدعة والخمول، وتغليب المصالح المادية إلا ما رحم ربي... ولاتقتفي أثر دستور أهل البيت عليهم السلام وسفرائهم ووكلائهم في ضرورة الإلتزام بالثوابت، وترك الإنحراف والزيغ، وبالتالي لاتمثل تلك الشريحة المتهاونة ذاك التمثيل الحقيقي لروح الإسلام، وفلسفته العالية المضامين في طروحاته الساعية لسير في الركب الإلهي، بما يحقق السمو والكمال للإنسان في توجهاته في الحياة الدنيا والفوز الأخروي... قال تعالى: (وَإِنْ تُطِعْ أَكثَرَ مَن فِي الأَرضِ يُضِلوكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنْ يَتبِعُونَ إلا الظنَّ وَإِنْ هُم إِلاَّ يَخرُصُون).
وتلك المهاترات التي نشهدها في ظل التجاذبات السلبية، والجهل بآليات التحاور، وطرح النهج الإسلامي بصورة مخدشة، تمثل نبذة مما يدور في الشارع الإسلامي، بسبب الغفلة والتغافل عن الإعتناء بالهدف الأسمى والأجل ألا وهو غرس الإسلام النقي في النفوس، ليفوح شذى عطره على ربوع الخليقة، لا أن ننقل للعالم صراعاتنا وتمزقنا الداخلي الذي يخدم قوى الفساد، ونكون بذاك - والعياذ بالله – مصداقا للآية الكريمة: (وَقدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِن عَمَلٍ فجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً).
فالتصور الثابت لدينا منذ نشأة الحوزة العلمية؛ أنها دأبت برجالاتها من مراجع ورجال الدين الفضلاء؛ على صياغة لغة تخاطب معتدلة في كل زمان ومكان؛ تلائم ما يطرأ من تغييرات على الساحة الفكرية العالمية؛ بالشكل الذي يقي النهج الإسلامي برسالته المحمدية السمحاء؛ من آفات وأدران التعصب والجاهلية التي لاتدع فرصة سانحة إلا وأردفت أراجيفها، لتقويض صرح العقيدة الإسلامية، والتي قدمت تضحيات لا حصر لها في سبيل المحافظة على أبعادها ومدياتها النهضوية الحضارية، لرفع شأن الإنسانية وقيادتها في فلك الطاعة وإتباع المعبود المطلق جل وعلا الذي يقول في محكم كتابه العزيز: (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطرِيقةِ لأَسْقيناهُمْ ماءً غَدَقاً)
والملاذ الآمن يتجسد في السير على نهج العلماء في توصياتهم في عدم الإنزلاق وراء الدوافع الطارئة والآنية، والتي تزول بزوال المؤثر، وبالتالي فما كان على الجادة الحق يثمر على مر التاريخ، مهما تعرض لأعاصير الضلال والنفاق، قال تعالى: (فَأَما الزبَدُ فيذهَبُ جُفاءً وَأَما ما يَنفعُ الناسَ فَيَمكثُ في الأَرضِ كذلِكَ يَضرِبُ اللهُ الأَمثالَ).
|