تحلو جلسات سمر الجد مع أحفاده الحلوين، وخاصة في شهر رمضان الخير، وبعد الافطار والدعاء، فلازالت فسحة من الوقت خاصة للجد المتواضع، وهو يفترش ساحة الدار وحوله أعز كنز في الدنيا، الاحفاد الطيبون، وهم بتمام الهدوء والصمت للاستماع لحكايا جدهم الغزيرة بالمعلومات النافعة من الموروث الديني والاجتماعي والتربوي.
وكان الجد بارعا في ربط هذه المعلومات بما يناسب ادراكهم؛ اذ تكمن في مخيلته الكثير من الصور والعبر، وبدأ الحديث مخاطبا جلسائه: هل تعرفون (الكنجينة) يا أحبائي؟ التفت البعض نحو الاخر مستغربين من هذا السؤال، وهم يرصدون جدتهم تبتسم وتكلم الجد: (ابو يحيى وين لگيت هذا السؤال الكنجينة من زمن أجدادنا) بادلها الجد الابتسامة والحديث وقال: كان المعمار القديم (البناء) مثل المهندس الان بل افضل لأنه تعلم المصلحة بالخبرة والتفكير بدون مدرسة وجامعة، فكان يستغل كل جدران البيت بما ينفع، فترى الكناجين متوزعة على جدران البيت بمساحات مختلفة، والكنجينة يا حلوين هي مخزن صغير ضمن الجدار، بعضها للكتب والاخرى للملابس، وغيرها (للصندقچات) التي تحتوي على اواني الشاي والطعام، والبعض منها سرّية لحفظ النقود والحلي والأسلحة... وهي مثل (الدواليب والكناتير) الحالية.
كما ان المعمار اعتمد على (البادگيرات) لحركة الهواء من أعلى للأسفل وبالعكس، وهذا يعوض عن المبردة والمكيف، فكان الجو في البيت طبيعيا لا انفلونزا الخنازير ولا زكام حيث كانت أيامنا صحة وعافية.. وهنا انبرى احد الاحفاد وقال: (والله جدو چنتم مرتاحين لا راحت الوطنية ولا اجت المولدة، والله جدو من اسمع بعض الناس يحچون على الوطنية (الكهرباء) اتأذى كثير واقترح ان يسمون الكهرباء (العجوز التعبانه)!! ابتسم الجد وضحك طويلا وقال لحفيده: (ولك ملعون مو جديتك تزعل وتاخذ على خاطرهه).. ضحكت الجدة وقالت: (حجي لا تشمت اني ادري الكلام مو عليه لكن اني اكمل سالفته واگول: هاي خطوط المولدات حايرة مثل عش العنكبوت، حتى جمالية عگدنه والشارع راحت). تمتم الجد وقال: (نصبر والله كريم احنا متألمين عليكم ياطيبين وكتكم هذا صعب الله يساعدكم...) ثم قال: اكثروا من الدعاء والصلاة ان شاء الله ورسوله، وائمتنا ينظرون لحالنا ويرحموننا.
|