تطرقنا في المقال السابق إلى بعض آثار السياسة الأموية في تزويرهم لكثير من الأحاديث والحقائق، فالروايات التي تبشِّر بولادة الحجة المهدي عجَّل الله تعالى فرجه ، من ولد الحسين حرفوها وجعلوا مكان اسم الحسين الحسن، لأهداف سياسية، منها كره الإمام الحسين الذي استشهد هو وأصحابه وجمع من أهل بيته وسبيت حريم البيت النبوي الطاهر وأُخذوا أُسارى إلى اللعين يزيد بن معاوية ،و منها أنَّ الحسن صالح معاوية ، ومنها طمس الحقيقة فلذا شمل التحريف لكثير من الأحاديث بإضافة لفظ (واسم أبيه اسم أبي) لكي لايبقى للمهدي عنوانه الحقيقي الذي وضعه له رسول الله، ومن أمثلة هذه الأحاديث ما رواه السيوطي وهو من أكابر علماء السنة في كتابه جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده ) ج: 3/ص: 166[ ح. 8038 – قسم الأقوال / حرف الهمزة ] عن: (ابن ماجه، والحاكم عن ابن مسعود) قوله:((إنّا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون من بعدى بلاء وتشديدا وتطريدا حتى يأتى قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخبر الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمى واسم أبيه اسم أبي فيملك الأرض فيملؤها قسطا وعدلا كما ملئوها جورا وظلما فمن أدرك ذلك منكم أو من أعقابكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج فإنها رايات هدى))
ومن هنا بدأت النظرية التي تخالف مذهب أهل البيت عليهم السلام التي تقول بعدم ولادة الإمام المهدي عجَّل الله تعالى فرجه، وأنَّه سيولد من أولاد الحسن . ومما يدل على تحريف سنة الرسولعلى يد بني أمية ما رواه السيوطي أيضاً في كتابه جمع الجوامع (الجامع الكبير في الحديث والجامع الصغير وزوائده ) ج: 3/ ص:271 [ ح. 8780 – قسم الأقوال / حرف الهمزة ] بسنده عن أبي ذر رضي الله عنه أنَّ رسول اللهقال:(( أول ما يبدل سنتي رجل من بني أمية)).
ح3
تناولنا في العدد السابق النظرية التي تخالف مذهب أهل البيت عليهم السلام والتي تقول بعدم ولادة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف... أما الفريق الثاني يعترف بولادته، فقد أَقرار بعض علماء السنة بولادة الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه) منهم ابن حجر الهيتمي، وأحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلّكان، وكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي قي كتابه (مطالب السؤال في مناقب آل الرسول)، ومحمد بن يوسف الشافعي الكنجي في كتابه (البيان في أخبار صاحب الزمان)، ونور الدين علي بن محمد الصباغ المالكي في كتابه (الفصول المهمة في معرفة الأئمة)، ونور الدين عبد الرحمن الجامي الحنفي في كتابه (شواهد النبوة)، والحافظ محمد البخاري الحنفي في كتابه (فصل الخطاب)، فقد قال ابن حجرالهيتمي: ((ورجع الحسن[العسكري] إلى داره وأقام عزيزاً مكرما وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه وعمره ثمانية وعشرون سنة ويقال إنه سم أيضاً، ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين لكن آتاه الله فيها الحكمة ويسمى القائم المنتظر قيل: لأنه ستر بالمدينة وغاب فلم يعرف أين ذهب)) الصواعق المحرقة لابن حجر :314. وقال أيضاً:((ومحمد الحجة هذ إنما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين)) الصواعق المحرقة لابن حجر : 255 . وقال أحمد بن محمد بن أبي بكربن خلّكان : ((كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين)) وفيات الأعيان:4 /176. وذكر الملك أبو الفداء اسماعيل بن علي بن محمود بن عمر ولادة الحجة المنتظر. تاريخ ابي الفداء (المسمى المختصر في تاريخ البشر):1/ 361. وعقد الشيخ مؤمن الشبلنجي المصري باباً ذكر فيه ترجمة للإمام المهدي(عج) في كتابه نور الابصار. نور الابصار في مناقب آل النبي المختارللشبلنجي: 2/ 180- 198. وذكر أيضاً عدة كرامات للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه، بل استشهد بعدة شواهد على وجوده. وهذا ليس غريباً، فلقد ذكر جماعة من علماء السنة ترجمة لحياة وفضائل وكرامات الأئمة الإثني عشر، وأقرُّوا بإمامتهم، ولو كان غيرهم من آل الرسول يستحق الإمامة لذكروه ولترجموا له، فهذا دليل على شهرة إمامتهم، ومن هؤلاء العلماء يوسف بن قزأوغلي – أو قِزُغلي – بن عبد الله أبو المظفر شمس الدين، سبط أبي الفرج ابن الجوزي (ت. 654هـ). وأحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري(ت. 974هـ). والشيخ علي بن محمد بن أحمد المالكي المكيّ الشهير بإبن الصباغ (ت. 855هـ)، فقد أفرد مؤلَّف بذلك سمَّاه الفصول المهمة في معرفة الأئمة، والشيخ مؤمن بن حسين مؤمن الشبلنجي. وشيخ الشافعية أبي محمد بن عبد الواحد الموصلي(ت. 657هـ).
وأمَّا في إعتقادنا فإنَّ الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) ولد ليلة الجمعة الخامس عشر من شعبان سنة: 255هـ، قبل وفاة ابيه ع بسنتين وسبعة اشهر، وقيل في مناقب آل محمد المسمى بــ(النعيم المقيم لعترة النبأ العظيم):53- 164: كانت شهادة ابيه سنة 260 هـ وكان ابوه الامام الحسن العسكري ع قد أخفى مولده، وستر امره لصعوبة الوقت، وشدة طلب سلطان الزمان إياه، واجتهاده في البحث عن أمره، و بعد وفاة الامام العسكري ع كان أعداء الامام المهدي (عج) يريدون قتله، فكان لابد من استتاره عن اعين الناس، كما قد بيّنت الاخبار عن اجداده المعصومين (عليهم السلام) منبّئة بذلك قبل ولادته، فعن زرارة، عن ابي عبد الله ع قال: ((للقائم غيبة قبل قيامه، قلت: ولِمَ؟ قال: يخاف على نفسه الذبح)) كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق( المتوفي سنة : 381هـ ): 437.
|