• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : برامج التلفاز بين التأثر والتأثير .
                          • الكاتب : هاشم الصفار .

برامج التلفاز بين التأثر والتأثير

  شبّت معركةٌ ضارية في بيت عدنان بين ابيه وأمه... وأنا ضيف عدنان المسكين محصورا في غرفة صغيرة لا أحد يعرف بوجودي... صرت اسمع الشجار مع تعليقات وتوضيحات صديقي عدنان: هذه معركة عادية تشب كل يوم... مادة الشجار موضوعة مكررة، تعاد كل يوم استمع وتمتع وضحك عدنان!! 
 ابو عدنان:ـ لابد أن تدركي مضار افلام الكارتون على الأطفال ـ ليل نهار.. كارتون !!! كارتون !!! 
 قلت لعدنان: أبوك محق يا عدنان. 
 وإذا بأم عدنان تصيح:ـ هذه اطفال العالم كلها لاشغل لها سوى الكارتون، هل هناك من يمنع ابناءه سواك، ثم أليست افلام الكارتون احسن من تلك القنوات الصاخبة بالعري والتفسخ والانحلال...
 قلت: عدنان صحيح ما تقوله امك... والله الوالدة عندها حق يا عدنان.
عقب ابو عدنان بحدة: ابناؤك ينسون الدنيا امام التلفاز، ألا تلاحظين خطورة هذا التأثر، ألا تلاحظين انهم يقلدون الأبطال، لقد طغى الكارتون على فؤادهم.
 قلت: (عدنان تره ابوك عنده حق). 
 أجابته (أم عدنان) على الفور: (اي وين يروحون)؟ اغلب العلماء يقرون بأن الكارتون ينمي خيال الاطفال، ويغذي قدراتهم، وتطلعهم على امور كثيرة يجهلونها. كما تعرفهم بأساليب مبتكرة ومتعددة في التفكير والسلوك. اغلب التربويين يطرحون مفاهيم جميلة عن افلام الكارتون بأنها تزود الطفل بمعلومات ثقافية وانسانية منتقاة، وهي تسارع بالعملية التعليمية... بعض افلام الكارتون تسلط الضوء على الاجتماعيات واخرى تسلط الضوء على الجغرافية وعلى العلوم والتاريخ، وتقدم نماذج فلمية رائعة، وعن كيفية عمل الاعضاء واجهزة الانسان المعقدة باسلوب سهل جذاب. ألم تقدم للطفل لغة عربية فصيحة، حتى أطفالك صاروا لايتكلمون إلا الفصحى لغة لايجدها الطفل في اسرته. 
 صحت مبهورا: عدنان (تره امك) على حق وحديثها صحيح !!! 
أجابها ابو عدنان:ـ الكمبيوتر جعل الطفل يصنع حدثا يشارك فيه، اما التلفاز فهو يدفع الطفل الى المشاهدة دون المشاركة وتساهم افلام الكارتون في اعاقة النمو المعرفي الطبيعي، فطالب المعرفة يستخدم جميع حواسه ويبحث ويجرب ويتعلم والتلفاز يقدم معرفة جاهزة دون اختيار.. دون حركة.. يسمع الطفل ويرى، لايعمل على شحذ هذه الحواس بل يبقى في السماع المباشر ويهمل السماع الفعال ـ لا احاسيس تنمو ولا فعل عقلي يتطور. وبعد هذا فان الجلوس لفترات طويلة، واستدامة النظر لشاشة التلفاز لها اضرارها على جهاز الدوران والعينين، ثم تقليص درجة التفاعل بين افراد الاسرة، فنراهم ينغمسون في مشاهدة برامج التلفزيون لدرجة يتوقفون عن مخاطبة بعضهم ومحاورة بعضهم وكأنهم قوم متخاصمون. 
قلت: عدنان ابوك محق يا عدنان. 
 واستمر ابو عدنان بصياحه... هل تتصورين مثل هذه الاداة الفاعلة كما تقولين سيتركها دعاة الباطل دون استغلالها. يقول احدهم: سننقل للعالم افكارا مهمة عبر اعمالنا بطريقة تجعل الناس يتقبلونها، أي يعني انها غير مقبولة اساسا. يا امرأة هذا الرجل كان هو اول من اشتهر بدعوة حرية الاطفال، ونادى من خلالها بكسر سلطة العائلة، وهو الذي سمّم افكار العالم، وصوّر للاطفال ان الشر لابد منه لكونه هو الحكمة الحقيقية لاداء الحق من خلال البطش والقوة، وهو الذي صور للاطفال ان الجهل علم قائم بذاته وهو حقيقة معرفية.
 وهو نفسه اول من نشر فكر محاربة الايمان بالله، وحاول السخرية من المسلمين، فقد انتج برنامج كارتوني (سكوبي دو) و(المملوك) وقاد نفس المجموعة التي قدمت (توم وجيري) فهناك حلقة لو تنتبهين لها، وهي تعرض قضية الدكتور (نسيب) وتعطي نتيجة ان امريكا سعت لانقاذ المواطن العربي من مجتمعه ومن نفسه ومن دينه!! امريكا تنقذنا من الاسلام وليس الاسلام ينقذنا من امريكا؟ 
 قلت :ـ عدنان ابوك صح يا عدنان. 
 ثم اكمل ابو عدنان ثورته التي ما اظن انها ستنتهي:ـ ألم تلاحظي يا أمرأة ان اغلب الموضوعات تتعلق بالعنف والجريمة والعقاب لكونها تشكل عناصر دهشة واثارة وتشويق يضمنا نجاح الرسوم المتحركة في سوق التوزيع، وهي تروع الاطفال حتى يعتادون عليها تدريجيا، فيشجبوا عندهم السلوك العدواني. 
 صحت: عدنان ابوك صح يا عدنان. 
 وأكمل الحاج ابو عدنان: الكارتون اجنبي، فاعلمي يا ام عدنان ان الكارتون ليس بريئا بل هو يخالف الاسلام لكونه يتحيز للثقافة الغربية، تصوري موضوعة (توم وجيري) على اي شيء تقوم؟ انها تقوم على صراع فكري بين الذكاء والغباء يعني تحويل منطقة الصراع من بنى وجدانية (شر ـ خير) الى بنى فكرية (ذكي ـ غبي) وهي تروّج للقوة والعنف واستغلال الفرصة بالحيلة والدهاء.
أغلب الأفلام الكارتونية انتبهي لها فهي تروّج لعبثية وغياب الهدف السامي، لاشيء لديهم سوى الفوز وبأي وسيلة كانت... هكذا نعلم اطفالنا يا سبحان الله !!! بدل ان نطلعهم على حياة ائمتنا ائمة الخير والمعروف، وبدل ان نذاكرهم رموزنا العظام صرنا نقدم لهم الرجل الخارق، والرجل الحديدي، والرجل الكهربائي، والوطواط، والرجل الترابي، والعنكبوتي، والرجل الاخضر، والاحمر، والاصفر، والرجل المقنع، ومن خلالهم سننقل عادات وتقاليد المجتمعات الاجنبية (لبسهم، اكلهم، شربهم). 
 صحت: عدنان ابوك رائع يا عدنان، يمتلك تشخيصات رائعة، رجل واع يدرك حجم المسؤولية.
 تفاجأت وإذا بأبي عدنان يدخل الغرفة ليتافجأ بحضوري. ابتسم لي وقدم اعتذاره: انا أعتذر فلا احد اخبرني بوجود ضيف عندنا اهلا وسهلا بك. قلت: حسنا فعل من لم يخبركم حضوري، وإلا لحرمني من سماع محاضرة ثقافية رائعة يحتاجها كل بيت، لكن عمو دعني احاورك أو أسألك عن شيء؟ تفضل بني. قلت: نحن دائما نقدم التشخيصات ونهمل المعالجات، فهل برأيك ان هناك معالجات لابد أن نتخذها لنقضي على هذه الظاهرة.
 سألني ابو عدنان حينها: انت برأيك هل هناك معالجات معينة؟ قلت: نعم يا عم انا ارى ان نستخدم نفس الاداة لصالح الخير، وعلينا ان نؤسس شركات انتاج مسلمة، تقدم لنا افلام كارتون اسلامية، او لنقل افلام دينية واجتماعية، ورؤى انسانية تتوائم وبيئتنا العربية الاسلامية في عكس عاداتنا وتقاليدنا.
 ثم عقب العم ابو عدنان: ونرفع التصادمات في الفكر الكارتوني ونضع بدلها المحبة والتسامح. ونستبدل الفزع والترويع بمخافة الله وخشيته من خلال التعامل بين الناس ونقرب للطفل مفاهيم الانتماء الولاء. وقد يرى احد ان هذه الامور بعيدة بعض الشيء عن التحقيق فما الذي سنقدمه اليوم؟ 
علينا تحديد ساعات مشاهدة التلفاز لأطفالنا مع الاختيار الأمثل ونشغل اوقات اطفالنا بما هو نافع ويصلح ان يكون بديلا. ومتى وجد الطفل الفكرة الصحيحة وقعت في نفسه موقعا طيبا وعلينا كآباء ان نقدم انفسنا نموذجا فعّالا كاصحاب سلوك اسلامي منضبط، ويصلح ان يقدم لأبنائنا مشروعا تأثيريا سيكبر الاطفال وهم يحملون داخل انفسهم مواقف ايجابية لاتنتج الا مواقف ايجابية.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=155933
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 05 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12