غصّت حدقتا عينيَّ بسيل جارف من السيقان المسرعة في اتجاه تصاعدي واحد الزمني بالإمتناع عن تشبيهه بمسيرات النمل ثنائية النسغ, لا اعلم كيف أخلت المركبات الآلية مسالكها المعتادة وسلّمت لدبيب الأقدام, ترى هل هي لعنة دماء بشرية مقدسة أحاقت بالجماد المتجبر الأصم أم آهة هائلة عصفت بقاطني الريف والحضر نحو الشريط الإسفلتي المفتون بأجنحة الصحراء الذهبية.
خلع الوشم الإسفلتي رداءه المزركش وتسربل بسواد حالك ينساب تحت ظلال راياتٍ بلون الطيف الشمسي, تلاطم أمواج الحزن ابتلع رواسي الفرح الزائف المتبرج بألوان القسر الدموي, فتواؤم موسم الحِداد مع الزمن سحيق كانشقاق القمر وقبل استحالة حبيبات الرمل دما عبيطا, تهطل الأحزان كغيث الربيع رغم تواريها قسرا في سويداء القلوب في بعض سنين يوسف.
لم يُرَ قائد لهذا السيل البشري أو مُقدم اعتلى صهوة البدء, إذ انصهر الكل ببعض لينسجوا دفقا بشريا عارما حتى لتظن أنهم منقادون لشعاع خفي يومض إلى حيث يتجهون أو أنهم يلاحقون أريجا معطرا بأنفاس الحواري.
كان القرص الذهبي الهائل قد بدأ يهبط حتى اتكأ على حافة الأرض كأنه ترس تكفل بصد غوائل الليل الآتي عن المشاة أو متأهبا لاحتوائهم بحضن شفقه المدمى, لكن حين انزلقت مسرعة نحو أقصى الغروب واختبأت في دجى الليل البهيم, توارى الحشد وغاب منظرهم عني كأن الشمس لم تأمن عليهم فشاركتهم مهدها.
تنفس الكون عن فجر صادق فسمقتُ شاهقا بروحي لأرقب اشراقة الآفلين, لم يطل انتظاري فسرعان ما بزغت الجموع ومعهم شمس تسوقهم, امتزج الضوء الندي البكر بأحزان السيول الدابة فجللهم بأكاليل من انعكاسات ضفائره الشقراء.
بالكاد انحرف بصري المنهمك بمراقبة الوريد المتدفق بمشاعر العشق العرفاني ليقع على رافد آخر لا يختلف عن الأول إلا بحجمه, وحيثما التفت من شاهقي تتراءى لي الروافد الهائلة زاحفة نحو بحر النور المتلألئ في بقعة مباركة في الجانب الغربي من الصحراء الطاهرة.
هناك غُمر العشق بفيض نوراني رائق ولمّا تصل الجموع إلى أعتاب الكواكب الدرية المباركة التي أطلت شامخة رغم اكدار الطغاة.
وحين كنت أتساءل قبل اغتسال بصري برذاذ النور, ترى ما الذي منح هذه الأقدام المتقيحة إقداما لدعس أفخاخ الموت المنبثة في دروب السالكين من غير اكتراث بالحياة سمعت هتافا يتردد صداه المهيب في الأرجاء صافيا بصفاء النقاء, لو قطعوا أرجلنا واليدين نأتيك زحفا سيدي يا حسين
|