إن كلمة (المرتضى) اسم مفعول، مشتقة من الفعل المضارع المبني للمجهول (يُرتضى)، حيث حذفنا ياء المضارعة منه، وأبدلناها ميما مضمومة، فصارت (مرتضى)، وفقا لصناعة علم الصرف.
والكلمة جاءت الى باب الإفتعال، من الفعل الثلاثي المجرد المعتل الياء (رضيَ) فيكون اسمُ الفاعل منه (راضي)، واسم المفعول (مرضي عنه)، وهكذا نستفيد من علم الصرف، في تحليل الكلمات، وارجاعها الى الأصول التي تفرّعت عنها.
ومعنى هذا اللقب الشريف: أن صاحبَه مرضي عنه، مرتضى في سلوكه من قبل الناس، وهو حسن السيرة، مهذب الأخلاق، لا يخشاه احد في السر، ولا يخافه في العلن، قد ضرب مثلا أعلى في تعايشه السلمي مع الناس، فأحبه المجتمع، وأثنى عليه؟
وبعد هذا ينبغي أن ننظر الى صاحب هذا اللقب، وهو أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، هل كان كذلك في مسعاه في الحياة؟
ولنسأل عنه معاصريه، وهم أدرى به من غيرهم، ولنبدأ بالسؤال من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أولا؛ وقد سأله أعرابي قبلنا فقال: يارسول الله صف لي أصحابك؟
فوصفهم النبي (صلى الله عليه وآله) له، وسكت عن علي عليه السلام، ولم يذكره! وقال السائل: وأين علي؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إنك سألتني عن أصحابي، ولم تسألني عن نفسي، فعليٌ نفسي!!
وصف الرسول هذا لعلي بأنه نفسه، قد صرحت به تصريحا آية المباهلة المعروفة: (... فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ...).
كان علي عليه السلام، موضع اعجاب الخلفاء والصحابة من المهاجرين والأنصار، وقد وصفته أم المؤمنين عائشة بأنه (الذهب المصفى) حين سألها عنه الصحابي الجليل (جابر بن عبد الله الأنصاري) فأجابته بهذه الأبيات التي ذكرها الشافعي المصري الشبلنجي في كتابه (نور الأبصار- ص143):
إذا ما التبرُ حُكَ على محكٍ *** تبينَ غشـُه من غير شكِ
وفينا الغشُ والذهبُ المصفى *** عليٌ بيننا شبهُ المحكِ
وقد أخذ هذا المعنى الشاعر الشهير (الناشئ الصغير) فقال:
عليُ الدر والذهبُ المصفى *** وباقي الناس كلـِّهِمُ ترابُ
إذا لم تبرَ من أعدا عليٍّ *** فما لك في محبتهِ ثوابُ
وحلقَ (بولس سلامة) الشاعر المسيحي المعروف، في وصف علي عليه السلام حيث قال:
أنا من يعشقُ البطولة والإلـهامَ والعدلَ والخلاقَ الرضيا
فإذا لم يكن عليٌ نبيا *** فلقد كان خلقـُه نبويا
وقال عنه معاوية – حين قيل له إن عليا بخيل -: "لو كان لعلي بيتان؛ بيت من تبر (التبر – الذهب) وبيت من تبن، لأنفق تبره قبل تبنه".
وقال عنه ضرار - حين وصفه الى معاوية -: ((كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا...))
وقال عنه الشاعر الشامي (محمد المجذوب) من قصيدة طويلة:
ورثتْ شمائلـُه شمائلَ أحمدٍ *** فيكادُ من بُرديهِ يشرقُ أحمدُ
|