إن للأشكال الفنية ذواتٍ رسمَتْ ضمن عوالمِها وعناصرِها وعلاقاتِها، وصلاتِها الخارجية، تعلقت بأدواتِها التشكيلية، لتعكسَ مستويات الإبداع، ضمن تأريخ أمةٍ طالما حاولَ ابناؤها أن ينقشوا تراثَها إرثاً حضارياً، تجسّدُه أناملُ المبدعين، لوحاتٍ نقشتْ على ذاكرة الخشب...
ومن هؤلاء المبدعين الفنان إبراهيم النقاش.
صدى الروضتين: بدايتك في المهنة؟
بدأت العمل في هذه المهنة منذ الصغر، حيث كنت احاول أن أتعلم فن النقش على الخشب من خلال ممارستي له، عندما كنت اعمل في مهنة النجارة، التي بدأت بها في العاشرة من عمري عند استاذي الاول (حسين علوان) ثم انتقلت بعد إلى استاذي الآخر النجار (مجيد الجنابي). وأما من تعلمت منه فن الزخرفة على الخشب فهو السيد (محمود الفخري) وهو الذي شجعني على الاستمرار بالعمل في مجال الزخرفة الخشبية، ففي احد الايام كنت أزخرف على الخشب في الورشة، وإذا بأستاذي السيد (محمود) يدخل فخفت من عقابه كوني أعمل دون علمه بالزخرفة، وإذا بي آراه يندهش لعملي ويجعلني من كادر عمل الزخرفة، ولكن كان الطموح في ذهني أكبر من الزخرفة، وهو بأن اصبح أحد فناني النقش على الخشب، لذلك حرصت على تطوير عملي من خلال ممارستي للمهنة، واختلاطي مع الفنانين، وأصبحت سيطرتي على الخشب سيطرة غير طبيعية، فبدأت باللوحات الصغيرة، ومن ثم المتوسطة إلى أن وصل حجم اللوحة ستة أمتار. وكذلك الابواب الخاصة بالمراقد المقدسة في العراق، فقد تشرفت بعمل (16) بابا توزعت على مداخل المآذن الخاصة بالعتبات المقدسة العلوية والحسينية والعباسية، ومن الأمور التي لم أذكرها أن الطبيعة والتراث هي أولى الأمور التي تأثرت بها، وأما من الفنانين فهو أستاذي الفنان (محمد غني حكمت).
صدى الروضتين: أول لوحة عملت بها؟
قمت بفتح أول ورشة عمل لي في السبعينيات في مدينة الكاظمية في شارع المفيد، وبدأت بالعمل على اللوحات التراثية لبغداد القديمة، فهي تذكرني بطفولتي في أزقة الكاظمية، وأول لوحة لي كانت بقياس (2متر×1متر) وقد سميتها (شناشيل البصرة) وشاركت بها في إحدى المهرجانات، وقد انبهر بها الحضور الذي تواجد في المعرض من داخل وخارج العراق، وأما اللوحة الثانية بنفس القياس فهي (لشناشيل بغداد) التي تمثل الأزقة والبيوت المطلة على نهر دجلة، وقد نلت مقدارا كبيرا من التشجيع بعد مشاركتي في المعارض، الامر الذي دفعني إلى الغوص في هذا المجال بأدق أموره، لأقيم المعرض الأول الشخصي لي على قاعة الرشيد في الباب الشرجي سنة 1987م وكان من الأمور النادرة لأن جميع الفنانين والحضور يتصورون عرض الرسوم أو بعض الصور، ولكن عندما شاهدوا هذه اللوحات والعمل الفني الكبير التي تجسد بأزقة مدينة بغداد القديمة، اندهشوا لهذه اللوحات الغريبة من نوعها، وبعدها استمر اشتراكي في المعارض الأخرى داخل العراق وأيضاً في باريس وهولندا والأردن والمانيا وإيطاليا، والعديد من الدول وبعض المعارض الشخصية التي أقمتها وفيها ما يقارب 40 إلى 50 لوحة خاصة بي وحصلت على الكثير من الشهادات التقديرية.
صدى الروضتين: بدايتك في العتبة الكاظمية المقدسة؟
كانت الأمنية التي في قلبي أن أقدم شيئا ولو كان بسيطا لحضرة الإمامين الهمامين الكاظم والجواد (عليهما السلام) والحمد لله وفقني الباري عز وجل للعمل وشرف الانتساب في حضرة الإمامين (عليهما السلام) وقد قمت بصيانة الصناديق الخشبية الموجودة على ضريح للإمامين الكاظمين(عليهما السلام) وسقف الضريح والكثير من النقوش الأخرى وأنا اعتبر هذه الأيام هي أجمل أيام حياتي لعملي في هذا العتبة المقدسة.
صدى الروضتين: أجواء المكان وانعكاساته على طبيعة العمل؟
الكثير من الأمور دخلت على حياتي عندما عملت في ظل الإمامين(عليهما السلام) فأنت ترى الحالة الإيمانية والروحانية تزداد في نفسيتك، وتكون حياتك تلقائياً مليئة بالسعادة والفرح، وقد أضاف إلى عملي اللمحات الإسلامية مع إنها كانت موجودة، ولكن مع دخولي بالعمل في هذا المكان المطهر ازدادت أضعافا مضاعفة وأشكر الله على هذا العمل لأنه في الحقيقة هو عمل دنيا وآخرة، وكذلك فقد فتح لي آفاقا جديدة، فلقد تم الاتفاق على فتح ورشة لهذه الأعمال داخل العتبة، وتدريب مجموعة من الشباب على هذه المهنة لأداء باقي الأمور التي تحتاجها العتبة المقدسة.
صدى الروضتين: اللوحة الأقرب إلى قلبك؟
اللوحة الأقرب إلى قلبي، هي لوحة الباب، وهي ترمز إلى باب بيتنا سابقاً، والبيت يمثل العراق، وأما الحب الذي جنب الباب هو مصدر الخير والعطاء، وقد تجسدت هذه الفكرة في مخيلتي من حبي الشديد لوطني العراق، وفازت هذه اللوحة ثلاث مرات بالجائزة الأولى، وطلبت مني عدة مرات ولكن لم أتخلَ عنها بسبب مكانتها الكبيرة عندي.
صدى الروضتين: كلمة أخيرة؟
أشكر العاملين في خدمة الإمام الحسين وأبي الفضل العباس عليهما السلام وأود أن أقبلهم جميعا لأنهم حققوا لي أمنيتي التي حلمت بها في صغري، إذ كنت أتمنى أن أرى يوماً كربلاء جميلة رائعة وأن تكون مدينة للثقافة والزيارة والسياحة والحمد الله اليوم تحققت أمنيتي على أيدي هؤلاء الشباب المجاهدين في سبيل الله وأسأل الله أن يوفقنا ويوفقكم لكل خير.
|