• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : شيء عن الأنسنة .
                          • الكاتب : سلمان عبد الاعلى .

شيء عن الأنسنة

الأنسنة، الانسانوية، النزعة الإنسانية.. كل هذه المفردات تشير إلى معنى واحد ألا وهو محورية الإنسان، فالإنسان وبحسب النزعة الإنسانية أو الأنسنية هو المهيمن على كل شيء، وهو معيار كل شيء، ومقياس لكل شيء، لأن الإنسانوية لا تعترف بأي وجود أو سلطة تضاهي سلطة هذا الإنسان.

وقد يكون هذا طبيعياً إذا علمنا بأن الأنسنة لم تكن تياراً فكرياً منظماً ومتكاملاً بالمعنى المعروف، وإنما نستطيع أن نقول بأنها مجرد تيار ثوري يريد الانقلاب على الموروث الذي كان قبله، فالأنسنة جاءت كثورة مضادة للكنيسة وتسلطها، أي كردة فعل على تصرفات رجالات الكنيسة التي صادرت حرية الإنسان وجعلته يعيش على الهامش، وإذا كان لكل فعل ردة فعل مساوية له في القوة ومعاكسة له في الاتجاه من المسلمات الفيزيائية، فإن هذه المسألة باتت من المسلمات الاجتماعية أيضاً.

لذا نستطيع أن نقول بأن الأنسنة جاءت لتحرير الإنسان من أي سلطة خارجة عن ذاته، ولتحريره من التبعية لرجال الدين في الكنيسة، على الرغم من كون الكثير من المفكرين (الإنسانويين) رجال دين تعلموا في الكنيسة ونشئوا وتربوا على مبادئها وقيمها وعاداتها، ولكن هذا لم يمنعهم من الوقوف في وجهها ومن الثورة عليها، وكان من نتائج هذه الثورة أن تحرر الإنسان في هذا الجانب وفك ارتباطه بغيره في التفكير، فالإنسان بعد الأنسنة منح الحرية في ممارسة التفكير المستقل وأعطي حق ممارسة التمييز والاختيار والقرار، بعكس الإيمان التقليدي الذي يرى في الخضوع والإتباع للغير (رجال الكنيسة) شرطاً من شروطه.

إن الأنسنة أو التيار الإنساني يرى بأن الإنسان كفرد هو الذي يجب أن يضع المعايير والمقاييس التي ينبغي أن يسير عليها في حياته، أي أن يرسم هو معتمداً على ذاته مساره الذي يريده، وليس المقصود من المسار هنا فقط الخطة المستقبلية التي يريد الإنسان الوصول إليها، بل يشمل ذلك حتى المسار الأخلاقي الذي يلتزم به الإنسان، إذ لا بد أن يرسمه الإنسان لذاته بذاته. لا أن يكون مفروضاً عليه من خارجها.

ومن هنا ظهر مصطلح موت الإله، وذلك لأنه لا يوجد صوت أعلى من صوت الإنسان، ولا توجد سلطة أقوى من سلطة الإنسان، ومن هنا أيضاً بدأ تأليه الإنسان، لأنه أضحى مصدر القيم وميزانها في نفس الوقت، لأن الدين والأفكار الدينية غير ملزمة للإنسان إذا لم يعطيها هو الشرعية، ولأن الدين والأفكار الدينية ليست بذات أهمية إلا إذا كانت لها فوائد ومكاسب واقعية يتلمسها الإنسان ويشعر بها، أما فيما عدا ذلك فليس لها أية أهمية حتى ولو كانت منطقية ومبرهن عليها.

وهكذا بدأت القيم الأخلاقية بالترهل وبدأت الأفكار الدينية بالتدهور، وتم نتيجة لهذا الترهل ولذاك التدهور، عزل الدين عن موضوع القيم، لأن القيم الأخلاقية لا بد وأن تكون من وضع الإنسان وهي مرهونة بما تحققه له من منافع ومضار يمكن تلمسها على أرض الواقع.

مهما يكن، فلقد بدأت هذه القداسة التي أعطيت للإنسان بالانهيار والتلاشي، فهناك فلاسفة ومفكرون حداثيون لا يؤمنون بالأنسنة إذا لم نقل بأنهم يقفون في قبالها، فلقد جاء ميشيل فوكو بمقولته الشهيرة: (موت الإنسان) وهي تمثل في واقعها ارتداداً صريحاً على النزعة الإنسنية التي تؤمن بـ (محورية الإنسان)، ليجرد الإنسان من كل الامتيازات التي أعطيت له من قبل المؤمنين بالأنسنة، فبدلاً من كونه هو المتحكم والمسيطر ولا سلطة تعلو فوق سلطته وإرادته نجد أن فوكو يرى بأن الإنسان مقهور الإرادة، وهناك سلطة تعلو على سلطته وإرادته وتتحكم فيه، وهي ما يسميه بـ"النسق الخفية".

عموماً، فإنه وعلى الرغم من السلبيات والمبالغات التي جاءت بها الأنسنة، والتي يمكن اختصارها في المقولات أو اللاءات الأربع كما يسمونها، وهي: (لا سلطة فوق الذات، لا قيم أخلاقية إلا من خلال منافع الذات، لا سعادة إلا من خلال إشباع الذات، لا حقيقة إلا من خلال معرفة الذات)، والتي ساهمت في تأليه الإنسان وتعديه حدوده، إلا أنه لا ينبغي تجاهل ما ساهمت به الأنسنة من الإيجابيات والمنافع، والتي كان من أهمها: تحرير الإنسان من الخرافة والتخلف، وجعله يعتمد على نفسه ويحترم عقله، مما ساهم في تطور وتقدم المجتمعات البشرية في مختلف النواحي العلمية وغيرها من الإيجابيات التي لا ينكرها إلا جاهل أو متجاهل.

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=15501
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 03 / 26
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14