عندما تقول العراق، يتبادر في الذهن إنها ارض المقدسات والآثار، وهي من دلالات اعتزاز كل شعب بموروثه الديني والأثري.. وفي العراق نرى الكثير من المعالم الأثرية شاخصة حتى اليوم، رغم إنها شهدت قرونا متعاقبة.. ومن بين هذه الآثار القنطرة البيضاء أو ما تعرف (بقنطرة الإمام علي(عليه السلام)) والواقعة على نهر الحسينية.
ولهذا المعلم الأثري حكاية يرويها البعض.. إن الوالي العثماني وبعد إكمال حفر نهر الحسينية، جمع الناس ليفتتح النهر الجديد، الذي أطلق عليه اسم نهر السليماني، إلا أن الماء لم يجر في النهر الجديد، وقد اندهش الجميع من هذا الأمر، ثم أرسلوا بطلب احد علماء الدين، لعله يجد تفسيرا لهذه الظاهرة، وما أن وصل حتى سأل الحشد الواقف عن وجود من هو ملتزم بأداء الفرائض بأوقاتها، ولم يقضِ صلاته في يوم من الأيام، فلم ينبرِ له إلا رجل واحد، فصليا ركعتين، وأمر بعد فراغه من الصلاة، بأن يسمى النهر بالحسينية، ويقال انه رمى به شيئا من تربة الإمام الحسين (ع) من ثم بدأ الماء بالجريان في النهر.
تاريخها وبناؤها:
عن تاريخ القنطرة البيضاء، حدثنا المنقب الأثري (حسين ياسر خليل) رئيس لجنة صيانة القنطرة البيضاء حيث قال: بعد أن أمر الوالي العثماني بحفر نهر الحسينية، والمسمى أول حفره بنهر السليماني، نسبة إلى الوالي العثماني سليمان القانوني، قام بتكليف والي بغداد العثماني جديد حسن باشا ببناء القناطر فوق النهر، وكان الاهتمام منصبا أولا على مكان القنطرة الحالي لوجود اثر مقدس جنبها، وهو مقام ومكان صلاة الإمام علي (ع) عند مروره بكربلاء عام 37هـ أثناء توجهه إلى معركة صفين عن طريق كربلاء، ثم عين التمر، فالأنبار إلى الشام. مشيرا إلى أن مقام الإمام علي (ع) قد تناقله بعض الرواة من بينهم الشيخ مؤمن الشبلنجي الشافعي (رحمه الله) صاحب كتاب (نور الأبصار) طبعة بيروت، والشيخ المفيد، وهو من أعلام القرن الرابع، وأوائل القرن الخامس الهجري، في كتابه (الإرشاد) طبعة بيروت ص175 وجدد بناءها والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير وذلك بعد الغزو الوهابي عام 1803م.
وفي عام 1824 دارت عليها معركة وطنية تسمى واقعة الميراخور أو كما تعرف محليا واقعة المناخور وهي بين العثمانيين، وأهالي كربلاء. لكون كربلاء أعلنت العصيان، وأصبحت تحكم نفسها بنفسها، بعد قتل المتولي العثماني فتح الله خان وبعده علي أفندي.
ولطول مدة المعركة والحصار، تهدم جزء كبير منها، فقام السيد علي النهري بالاستعانة بالمعمار محمد بن علي بن (اسطة) قاسم البناء الأسدي، بإعادة الجزء المتهدم من بنائها، قبل حوالي 150 سنة أي في عام 1850م. وقد كانت لفترة طويلة بوابة كربلاء المائية، حيث كانت السفن المحملة بالبضائع والمواد الغذائية تمر من تحتها، بعد دفع أجرة المرور للبواب، لتصل بعدها إلى قنطرة أخرى قرب باب بغداد، كانت تسمى بأم حديبة، ويقول حسين: سميت بالقنطرة البيضاء، نظرا للونها الأبيض، ولكونها دلالة واضحة للوصول والسلام على مراقد الأئمة الأطهار في كربلاء، وخاصة قبل وجود بساتين النخيل، التي تحجب رؤية المنائر حاليا، وكانت المواكب الحسينية لأهالي الناحية تنطلق منها.
ويضيف ياسر: إن القنطرة تقع حاليا في القطعة 75 مقاطعه 47، الفراشية، التابعة لناحية الحسينية في محافظة كربلاء، وهي تقع على نهر الحسينية المتفرع من نهر الفرات، بواسطة سدة الهندية على الطريق الرئيس المعبد الذي يربط مركز محافظة كربلاء بناحية الحسينية، وبمسافة 5 كم إلى الشرق من مركز المحافظة. وتقع في منطقة مشهورة بكثافة بساتين النخيل، ومن أهم مناطق تصدير التمور في العراق.
|