إن إحدى السبل المتبعة في جدلية الأحكام الموضوعة في الغيبة المهدوية، تحددها سمات تأويلية، غايتها تغيير مسار القضية ضمن منهجية ذات نزعة مرسومة عند بعض من كتبوا في قضية الغيبة المقدسة، ليرسموا مقبولية العرض العقلاني تحت اطر وملامح إنسانية ولكن بتصورات مادية، على أساس أن ما يطرح من نموذج هي فلسفة تعويضية، تبيح الاعتقاد السائد بأنها فكرة... مجرد فكرة إنسانية تسعى لإنقاذ الناس من اليأس أو إقناعهم بالمصير المؤجل، وهي كما يصورها نقاد الفرضيات السوداء بأنها أوجدت لعبة السعادة الواهمة، واستجارت بأمل لا يتحقق، لمداعبة الشعور العام للشعوب المضطهدة، تخلصا من توترات نفسية عامة... ونرى أن بعث مثل هذه التعليمات هي التي ابتعدت عن المناهج التعليمية بالقضية كميثيولوجيا أو سواها... بينما من أولى سمات الأطر النقدية الموضوعية أن أي أحكام تصدر خارج تقنية المعايير المواءمة بحجم القيمة هي ادعاءات معرفية فارغة، بل هناك قيم لم يتم الاتفاق لها على معايير موضوعية، ومهما كانت دقة النقود ومهمتها، فقد توصل الكثير من النقاد على أن معالجة الغيبة المهدوية لا تتم عبر المعاجم إطلاقاً... بل يجب النظر إليها من خلال منظومة فكرية متكئة على مبانٍ عقائدية مسبقة، وليس على أمزجة شخصية أو تجارب خاصة تبحث في الكم العقلاني، كتجربة ابن خلدون أو سواها ولكنها لا تنظر إلى غيبيات كتاب الله تعالى الذي يتوفر بين دفتيه على كثير من العبر التي لا يمكن إخضاعها إلا لتحليلاتها الخاصة بها، ولماذا أساساً التسليم لفردية ابن خلدون والبنداري وأحمد أمين وجميع الذين نقلوا استنتاجاتهم بطرق ببغائية حالهم حال المستشرقين (كولدفرير- كولهاوزن- فان فلوتن- مكدولاند- برنالدلو- برنالد لويس- ماسينون- مونتوغمري وان) أمام مئات الشهادات والتصريحات لعلماء السنة أنفسهم منذ القرن الرابع الهجري وإلى اليوم تعكس لنا بطرق تؤكد ولادة المهدي ابن الحسن (ع) وتشهد بصحة الأحاديث المروية عنه، ولا بد من الوضوح الإيماني لقيم المعجزات كمفهوم ديني، استساغها المنطق الديني ضمن ظواهر إعجازية قائمة بذاتها، أما من يريد أن يبحث في حيثيات النهج التاريخي ليسوغ نكران القضية برمتها دون أن يرتكز على المعنى المعروض بتفسيراته الصحيحة، فتلك إجراءات خاطئة لا تريد أن تقف عند دلائل القضية، مثلاً أن السرية التي اكتنفت ولادته، لها تفسير منطقي ولا يمكن أن يؤدي هذا الخوف على حياته والحرص على حمايته على استنتاجات عدم وجوده... وأما لو فسر يوماً الكم الإختلافي على النكران فهذا يلزم منهم نكران الدين كله قبل الغيبة المقدسة.
|