حين تكون بنية العمل الايديولوجي هو البحث عن قيم صنعت التاريخ كمحتوى نبوءات فغايرت وغيرتها تأويلات مشوهة، فمن المؤكد أن مثل هذه البنى ستشكل معنى التواصل مع التاريخ كمنهج معرفي تكويني بما سيحققه الفعل الإبداعي من فاعلية تتجاوز شكليات البناء الروتيني الذي ينفتح على مكونات الاستشهاد كمحصلة رؤى يقينية لا تحتاج إلى قسرية تأويلية أو إلى سردية قد تخلق الملل بين ثنايا البحث. فكان مسعى السيد سامي البدري في جزئه الثالث - الإمام الحسين في الإنجيل - والمسمى عند اليهود والنصارى بالعهد الجديد في أربعة أناجيل، وفيه أسفار ملحقة به فعرض السيد الباحث رؤاه التي وردت في سفر رؤيا يوحنا، وبالتعبير الصحيح كتاب نبوءة يحيى، والذي فيه تفصيل عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام حيث يقول: (هناك ذبيح من أولياء الله يشعر كأنبياء الله بأنه يستحق البركة والكرامة والمجد والسلطان من بينهم) ويجتمع الـ(24) شيخا من الشيوخ الإلهيين ويعني الأنبياء، ويقولون له: (أنت الذي تستحق من بيننا المجد لأنك أنقذتنا) ومثل هذا الاستشهاد يعد محاولة لإظهار المعنى التحتاني للنبوءة (التفسير الأمثل) لعملية الإنقاذ التي تعد عند النقاد جزءا من البناء الكلي للجملة، لنصل إلى نتيجة مفادها: انه لولا وجود الإمام الحسين (ع) لكانت قراءة التوراة والإنجيل قراءة لا تحترم قدسية هذه المواريث دائما، ليصبح هذا الموروث الإلهي يُقرأ على غرار قصة أوريا مع نبي الله داود، التي يندى لها الجبين، حسب تعبير السيد البدري. فأنبياء الله يشعرون إن الإمام الحسين سينقذ تراثهم من الضياع: (لهذا الذبيح أتباع كثيرون من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة حتى استقامت سيرتهم) نجد أن المفهوم الاسلوبي يدلنا على الطرح الشبه مباشر للمحتوى المخزون، أي أن عرض قضية الحسين في الإنجيل جاء بطريقة قريبة من الإفصاح، فلو تأملنا في متابعة مفردات النص سنجد الكثير من الدلالات ذات الخصوصية المتفردة بالحسين عليه السلام، بسبب شيعته وأتباعه، فبقيت سيرة الحسين تاريخا من الجهاد: (سوف يولد ملك) يعبر عنه الإنجيل بالوحش: (تسجد له ملوك الدنيا لا يباع ولا يشترى إلا باسمه إلا أتباع الولي المذبوح لا يخضعون له) يحاول التنظير النقدي الحديث التركيز على ربط العلاقة المؤولة لتحقيق الإدراك كبنية محددة لا تقف عند محددات زمانية أو مكانية كمجمل سلوكي وبعد هذا يعرج النص الإنجيلي نحو نبوءة أخرى: (ثم يظهر الله رجلا يرعى العالم بعصا من حديد) مثل هذه الجمل الواردة في النص تحمل في طياتها لغة مجازية، لكنها قريبة المعنى، مما جعل السيد الباحث لا يحتاج إلى الكثير من الشرح والتفسير سوى بعض التنبيهات الدلالية فهو يورد مقاطع بمنوال سريع ليبين أن النص يقصد بلا شك إلى ظهور المهدي عجل الله فرجه الشريف فعصا الحديد هي السيف. والتحرك المهدوي بشهادة المعروض الإنجيلي يشير إلى تحركاته بأتباع القائد المذبوح.
ثم يتجلي النص بوصف الزهراء عليها السلام لنصل إلى مقاربات الاحتواء: (يولد من امرأة ملتحفة بالشمس وتحت قدميها القمر) وفي تراثنا القرآني الخالد: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا) والمقصود النبي (ص) والإمام علي عليه السلام، (وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكباً) ولا نعتقد أن نصا بهذا الوضوح يحتاج إلى مكاشفات تفسيرية إطلاقا.
|