هكذا كتبت هذه العبارة على جدار إحدى المدارس في احد أحياء وسط المحافظة، هذا الحي المشهور بهدوئه ورصانته, والقول المعنون أعلاه هو من شعر الإمام الشافعي (أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع - رض) وهي في ديوانه موجودة كما الآتي:
بقدر الكد تكتسب المعالي ... ومن رام العلا سهر الليالي
ومن رام العلا من غير كد ... أضاع العمر في طلب المحال
تروم العز ثم تنام ليلا ... يغوص البحر من طلب اللالي
السهر هو أمر غير صحي ومتعب للعقل، وخصوصاً الدراسة بعد منتصف الليل، إذ لا فائدة منها، فمعظم القراءة في هذه الفترة ستكون غير مطبوعة في الذاكرة وسريعة النسيان، لكن هذا لا يعني من الكد والتعب والجد والاجتهاد في طلب العلم في غيره من الأوقات وخصوصا إذا نام الإنسان قبل انتصاف الليل ولو بساعة واستيقظ قبل انتهاء الليل بساعة وبقي مستيقظاً إلى ما بعد الشروق، فهذه ساعات القراءة الجيدة والنشطة. ولعل السهر لتجارة الآخرة هو المراد من هذه الأبيات، وسورة المزمل تصور ذلك بوضوح تام، إذ إن قيام الليل فيه الجمال والمستراح والنور والفلاح، ومن أراد أكثر فليراجع كتب التفاسير أو مشابه, فأنا لست بصدد هذه الأمر، بل بتحوير الكلمتين الأخيرتين (دبرا واسطة) وكتابتهما على حائط المدرسة، ومن المسؤول عن تجرؤ صاحب هذه المخطوطة الحائطية، وخطها على المدرسة تلك، وهي المؤسسة الوحيدة في هذا العصر لإنتاج الكفاءات الإنسانية، قبل أن تكون علمية؛ لأنه عندما يكون الشخص إنساناً، فهو يرتقي بنفسه ومجتمعه إلى حيث الكمالات التي يريدها الله (عزه وجل)، وبهذا الكمالات تسود المحبة ويفشي السلام.
وهذا التحوير ربما يكون تناصاً أدبياً غير مقصود ممن كتب هاتين الكلمتين اللتين شوهتا المعنى اللغوي، لكنها ربما أصابت بالصميم الواقع المعاش.. تباً لمن كان السبب لأجيال بدأت ترى مستقبلها ومستقبل البلاد بهذه الصورة..!
|