كانت(النكتة السياسية) كأسلوب من أساليب النقد أو التعليق أو السخرية من شخصيات النظام، أو ظاهرة معينة أو قرار سياسي معين،كان يعد في الزمن المر فعلا تآمريا معارضا يشترك فيه "القائل والمستمع " يقلق النظام البعثي كما تقلقه العمليات العسكرية، ويعاقب عليها كما يعاقب على الفعل العسكري فقد اعتبرها من الجرائم التي تمس امن البلد وتمت محاكمة الكثيرين بهذا الخصوص، وكانت هناك شعبة مختصة في كل الأجهزة الأمنية تتابع انتشار النكتة في الشارع العراقي، وتضع النكات المضادة لها، فقد كانت النكتة رأيا في الوضع والظاهرة السياسية، إذ قامت المخيلة الشعبية العراقية بابتكار نكت سياسية عن بعض شخصيات (عزوز أبو الثلج) صاحب النكتة المشهورة: (الفيل يطير)- (طه محي الدين معروف) الذي لا يحل ولا يربط ولذلك فهو لا يلبس الحذاء (القيطان) ويرتدي (القبقلي ) ربما يكون للسلطة دورا باستصغار هؤلاء للإبقاء على شخصية صدام، فتأتي النكات التي تنال من صدام كهجوم معاكس من الوعي الشعبي اتجاه السلطة، ولم تنس النكتة حينذاك الأجهزة الأمنية والاستخبارية القمعية ووسائل التعذيب التي كانت تمارس والمفارقات التي كانت تحدث بين السجين والسجان، وتلك المحاكمات الوهمية التي تعرض لها الشعب العراقي، فتتحدث إحداها عن مدير الأمن الذي أرسل بطلب (معلم الانكليزية) بناءً على طلب ابنته الضعيفة في هذه المادة، وفي خضم الأعمال الإجرامية نسي مدير الأمن أمر المعلم، وبعد سبعة أيام ذكرته ابنته بالموضوع، وهو بدوره ذكر مساعديه بهذا فما كان منهم إلا أن قالوا: نعم سيدي المعلم اعترف باشتراكه بالمؤامرة...!! عجيب أية مؤامرة، وماذا تعرض له هذا المسكين ليعترف على نفسه بأمر لم يرتكبه مطلقا ؟ وأخرى تتحدث عن مسابقة للأجهزة الأمنية في العالم، فقد أطلقوا للمخابرات العراقية غزالا وطلب منهم جلبه بالسرعة الممكنة، وبعد أكثر من شهر ذهبوا إليهم فوجدوهم ممسكين بالحمار ويضربونه بالكيبلات وهم يقولون له:(اعترف وكول آني غزال)، لقد تعرضت المخيلة الشعبية لدكتاتورية صدام وتهوره وسلوكياته المشهورة بالنقد والسخرية والاستهجان، ولم تتمكن السلطة بكل قوتها وبوليسيتها على تطويق النكتة ومحاصرتها لأنها ابتكار يومي يتفاعل بسرعة، فتم اخذ تلك القصص والتي تتحدث عن الطغاة والمتجبرين وربطها بما كان يحدث وكذلك ربطها بصدام بالخصوص، فهناك نكتة تتحدث عن جندي وشم على يده عبارة: (قادسية صدام) فشاهده الطاغية صدام، وقال له: أحسنت يا بني ولكن إذا انتهت الحرب ماذا ستفعل؟ فقال له: (اكص ايدي إذا خلصت الحرب)، وأخرى تتحدث عن شخص اشترى سيارة وذهب إلى مديرية مرور محافظة (الكويت) المحافظة التاسعة عشر، لوضع لوحات التسجيل الخاصة بتلك المدينة ولكن بعد أن عاد إلى البيت اكتشف أن اللوحة تقرأ: (عراق بحرين وليس عراق كويت)، فعاد في اليوم الثاني إلى شرطي المرور فقال له هذا: أنا آسف لقد أخطأت ووضعت لك لوحة العام القادم.
|